شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٣١٥
وزعم بعضهم أنها قد تعمل في المعرفة، وأنشد للنابغة:
80 - بدت فعل ذي ود، فلما تبعتها تولت، وبقت حاجتي في فؤاديا وحلت سواد القلب، لا أنا باغيا * سواها، ولا عن حبها متراخيا .
80 - البيتان للنابغة الجعدي، أحد الشعراء المعمرين، أدرك الجاهلية، ووفد على النبي صلى الله عليه وسلم، وأنشده من شعره، فدعا له، والبيتان من مختار أبي تمام.
اللغة: " فعل ذي ود " أراد أنها تفعل فعل صاحب المودة، فحذف الفعل وأبقى المصدر، والود - بتثليث الواو - المحبة، ومثله الوداد " تولت " أعرضت ورجعت " بقت حاجتي " بتشديد القاف - تركتها باقية " سواد القلب " سويداؤه وهي حبته السوداء " باغيا " طالبا " متراخيا " متهاونا فيه.
الاعراب: " بدت " بدا: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " فعل " قال العيني: منصوب بنزع الخافض، أي: كفل، وعندي أنه منصوب على أنه مفعول مطلق لفعل محذوف، أي: تفعل فعل مضاف إلخ، وفعل مضاف، و " ذي " مضاف إليه، وذي مضاف، و " ود " مضاف إليه " فلما " ظرف بمعنى حين ناصبه قوله " تولت " الذي هو جوابه " تبعتها " فعل وفاعل ومفعول، والجملة في محل جر بإضافة لما إليها " تولت " تولى: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " وبقت " مثله " حاجتي " حاجة: مفعول به لبقت، وحاجة مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " في فؤاديا " الجار والمجرور متعلق بقوله " بقت " السابق " وحلت " حل: فعل ماض، والتاء للتأنيث، والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي " سواد " مفعول به لحلت، وسواد مضاف، و " القلب " مضاف إليه " لا " نافية تعمل عمل ليس " أنا " اسمها " باغيا " خبرها، وفاعله ضمير مستتر فيه " سواها " سوى:
مفعول به لباغ، وسوى مضاف والضمير مضاف إليه " ولا " الواو عاطفة، ولا: نافية " عن حبها " الجار والمجرور متعلق بقوله متراخيا الآتي، وحب مضاف وضمير المؤنثة الغائبة مضاف إليه " متراخيا " معطوف على قوله باغيا السابق.
الشاهد فيه: قوله " لا أنا باغيا " حيث أعمل " لا " النافية عمل " ليس " مع أن اسمها معرفة، وهو " أنا "، وهذا شاذ، وقد تأول النحاة هذا البيت ونحوه - كما أشار إليه الشارح العلامة، نقلا عن المصنف بتأويلات كثيرة، أحدها: أن قوله " أنا " ليس اسما للا، وإنما هو نائب فاعل لفعل محذوف، وأصل الكلام على هذا " لا أرى باغيا " فلما حذف الفعل، وهو " أرى " برز الضمير المستتر، وانفصل أو يكون الضمير مبتدأ، وقوله " باغيا " حال من نائب فاعل فعل محذوف، والتقدير " لا أنا أرى باغيا "، وجملة الفعل المحذوف مع نائب فاعله في محل رفع خبر المبتدأ، ويكون قد استغنى بالمعمول وهو الحال الذي هو قوله " باغيا " عن العامل فيه الذي هو الفعل المحذوف، وزعموا أنه ليس في هذا التأويل ارتكاب شطط ولا غلو في التقدير، فإن من سنن العربية الاستغناء بالمعمول عن العامل كما في الحال السادة مسد الخبر المفصحة عنه، كما اتضح لك ذلك في باب المبتدأ والخبر، فافهم ذلك، والله يرشدك ويتولاك.