شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ٢٠٨
" زيد هند ضاربها هو " - فإن شئت أتيت ب‍ " هو " وإن شئت لم تأت به، وإن خيف اللبس وجب الابراز كالمثال الثاني، فإنك لو لم تأت بالضمير فقلت:
" زيد عمرو ضاربه " لاحتمل أن يكون فاعل الضرب زيدا، وأن يكون عمرا، فلما أتيت بالضمير فقلت: " زيد عمرو ضاربه هو " تعين أن يكون " زيد " هو الفاعل.
واختار المصنف في هذا الكتاب مذهب البصريين، ولهذا قال: " وأبرزنه مطلقا " يعني سواء خيف اللبس، أو لم يخف، واختار في غير هذا الكتاب مذهب الكوفيين، وقد ورد السماع بمذهبهم، فمن ذلك قول الشاعر:
42 - قومي ذرا المجد بانوها وقد علمت بكنه ذلك عدنان وقحطان التقدير: بانوها هم، فحذف الضمير لا من اللبس.
* * * .

42 - هذا الشاهد غير منسوب إلى قائل معين فيما بين أيدينا من المراجع.
اللغة: " ذرا " بضم الذال - جمع ذروة، وهي من كل شئ أعلاه " المجد " الكرم " بانوها " جعله العيني فعلا ماضيا بمعنى زادوا عليها (وتميزوا)؟، ويحتمل أن يكون جمع " بان " جمعا سالما مثل قاض وقاضون وغاز وغازون، وحذفت النون للإضافة كما حذفت النون في قولك " قاضو المدينة ومفتوها " وهو عندنا أفضل مما ذهب إليه العيني " كنه " كنه كل شئ: غايته، ونهايته، وحقيقته.
الاعراب: " قومي " قوم: مبتدأ أول، وقوم مضاف وياء المتكلم مضاف إليه " ذرا " مبتدأ ثان، وذرا مضاف و " المجد " مضاف إليه " بانوها " بانو: خبر المبتدأ الثاني، وبانو مضاف وضمير الغائبة العائد إلى ذرا المجد مضاف إليه، وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول " وقد " الواو واو الحال، قد: حرف تحقيق " علمت " علم: فعل ماض، والتاء للتأنيث " بكنه " جار ومجرور متعلق بعلمت، وكنه مضاف واسم الإشارة في " ذلك " مضاف إليه، واللام للبعد، والكاف حرف خطاب " عدنان " فاعل علمت " وقحطان " معطوف عليه.
الشاهد فيه: قوله " قومي ذرا المجد بانوها " حيث جاء بخبر المبتدأ مشتقا ولم يبرز الضمير، مع أن المشتق ليس وصفا لنفس مبتدئه في المعنى، ولو أبرز الضمير لقال: " قومي ذرا المجد بانوها هم " وإنما لم يبرز الضمير ارتكانا على انسياق المعنى المقصود إلى ذهن السامع من غير تردد، فلا لبس في الكلام بحيث يفهم منه معنى غير المعنى الذي يقصد إليه المتكلم، فإنه لا يمكن أن يتسرب إلى ذهنك أن " بانوها " هو في المعنى وصف للمبتدأ الثاني الذي هو " ذرا المجد " لان ذرا المجد مبنية وليست بانية، وإنما الباني هو القوم.
وهذا الذي يدل عليه هذا البيت - من عدم وجوب إبراز الضمير إذا أمن الالتباس، وقصر وجوب إبرازه على حالة الالتباس - هو مذهب الكوفيين في الخبر والحال والنعت والصلة، قالوا في جميع هذه الأبواب: إذا كان واحد من هذه الأشياء جاريا على غير من هو له ينظر، فإذا كان يؤمن اللبس ويمكن تعين صاحبه من غير إبراز الضمير فلا يجب إبرازه، وإن كان لا يؤمن اللبس واحتمل عوده على من هو له وعلى غير من هو له وجب إبراز الضمير، والبيت حجة لهم في ذلك.
والبصريون يوجبون إبراز الضمير بكل حال، ويرون مثل هذا البيت غير موافق للقياس الذي عليه أكثر كلام العرب، فهو عندهم شاذ.
ومنهم من زعم أن " ذرا المجد " ليس مبتدأ ثانيا كما أعربه الكوفيون، بل هو مفعول به لوصف محذوف، والوصف المذكور بعده بدل من الوصف المحذوف، وتقدير الكلام: قومي بانون ذرا المجد بانوها، فالخبر محذوف، وهو جار على من له، وفي هذا من التكلف ما ليس يخفى.
(٢٠٨)
مفاتيح البحث: الحج (1)، الوجوب (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 203 204 205 206 207 208 209 210 211 213 214 ... » »»
الفهرست