شرح ابن عقيل - ابن عقيل الهمداني - ج ١ - الصفحة ١٥٨
وهذا عند جمهور البصريين مخصوص بالشعر، وزعم المصنف - في غير هذا الكتاب - أنه لا يختص به، بل يجوز في الاختيار، وقد جاء وصلها بالجملة الاسمية، وبالظرف شذوذا، فمن الأول قوله:
31 - من القوم الرسول الله منهم * لهم دانت رقاب بني معد .
٣١ - هذا البيت من الشواهد التي لا يعرف قائلها، قال العيني: " أنشده ابن مالك للاحتجاج به، ولم يعزه إلى قائله " اه، وروى البغدادي بيتا يشبه أن يكون هذا البيت، ولم يعزه أيضا إلى قائل، وهو:
بل القوم الرسول الله فيهم * هم أهل الحكومة من قصي اللغة: " دانت " ذلت، وخضعت، وانقادت " معد " هو ابن عدنان، وبنو قصي هم قريش، وبنو هاشم قوم النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
الاعراب: " من القوم الرسول الله ": الجار والمجرور متعلق بمحذوف يجوز أن يكون خبرا لمبتدأ محذوف، ويكون تقدير الكلام: هو من القوم إلخ، والألف واللام في كلمة " الرسول " موصول بمعنى الذين صفة للقوم مبني على السكون في محل جر، ورسول مبتدأ، ورسول مضاف ولفظ الجلالة مضاف إليه " منهم " جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر المبتدأ، وجملة المبتدأ وخبره لا محل لها صلة أل الموصولة " لهم " جار ومجرور متعلق بقوله دانت الآتي " دانت " دان: فعل ماض، والتاء تاء التأنيث " رقاب " فاعل دان، ورقاب مضاف و " بني " مضاف إليه، وبني مضاف و " معد " مضاف إليه.
الشاهد فيه: قوله " الرسول الله منهم " حيث وصل أل بالجملة الاسمية، وهي جملة المبتدأ والخبر، وذلك شاذ.
ومن العلماء من يجيب عن هذا الشاهد ونحوه بأن " أل " إنما هي هنا بعض كلمة، وأصلها " الذين " فحذف ما عدا الألف واللام، قال هؤلاء: ليس حذف بعض الكلمة وإبقاء بعضها بعجب في العربية، وهذا لبيد بن ربيعة العامري يقول:
* درس المنا بمتالع فأبان * أراد " المنازل " فحذف حرفين لغير ترخيم. وهذا رؤبة يقول:
* أو ألفا مكة من ورق الحمى * أراد " الحمام " فحذف الميم ثم قلب فتحة الميم كسرة والألف ياء، وقد قال الشاعر، وهو أقرب شئ إلى ما نحن بصدده:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم * هم القوم كل القوم يا أم خالد أراد " وإن الذين " بدليل ضمير جماعة الذكور في قوله " دماؤهم " وقوله فيما بعد " هم القوم " وعليه خرجوا قول الله تعالى: (وخضتم كالذي خاضوا) أي كالذين خاضوا - وفي الآية تخريجان آخران، أحدهما: أن الذي موصول حرفي كما، أي وخضتم كخوضهم، وثانيهما: أن الذي موصول اسمي صفة لموصوف محذوف، والعائد إليه من الصلة محذوف أي: وخضتم كالخوض الذي خاضوه قالوا: وربما حذف الشاعر الكلمة كلها، فلم يبق منها إلا حرفا واحدا، ومن ذلك قول الشاعر:
نادوهم: أن ألجموا، ألاتا *، قالوا جميعا كلهم: ألافا فإن هذا الراجز أراد في الشطر الأول " ألا تركبون " فحذف ولم يبق إلا التاء، وحذف من الثاني الذي هو الجواب فلم يبق إلا حرف العطف، وأصله " ألا فاركبوا ".
وبعض العلماء يجعل الحروف التي تفتتح بها بعض سور القرآن - نحو ألم، حم، ص - من هذا القبيل، فيقولون: ألم أصله: أنا الله أعلم، أو ما أشبه ذلك، وانظر مع هذا ما ذكرناه في شرح الشاهد رقم 6 31 الآتي في باب الترخيم.
قلت: وهذا الذي ذهبوا إليه ليس إلا قياما من ورطة للوقوع في ورطة أخرى أشد منها وأنكى، فهو تخلص من ضرورة إلى ضرورة أصعب منها مخلصا وأعسر نجاء، ولا يشك أحد أن هذا الحذف بجميع أنواعه التي ذكروها من الضرورات التي لا يسوغ القياس عليها، ولذلك استبعد كثير تخريج الآية الكريمة التي تلوناها أولا على هذا الوجه كما (استبعد)؟ كثيرون تخريجها على أن " الذي " موصول حرفي.