عهد الموادعة التي كانت بين رسول الله (ص) وبين اليهود إنما هي ترك الحرب والقتال، فأين منها المقارعة بالحجة والبرهان والمجادلة بالتي هي أحسن، وأي جدال أحسن من أن يقول اليهود لرسول الله ديننا خير من دينك أو نحوه فيقول (ص) في جوابهم هلم (فنبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين)؟ جدال لا صخب فيه ولا ضوضاء، ولا نقض ولا إبرام.
ولو كانت المقارعة بالحجة نقضا لعهد الموادعة كما زعمت، لنقض هذا العهد يوم قامت تلك الملحمه الكلامية، ولا مانع بعد هذا لرسول الله (ص) أن يدعوهم إلى الملاعنة إذ لا عهد بينهم! ولا يكاد ينقضي عجبي لهذا الفاضل المثقف كيف يرى مثل هذا جوابا.
إنني وأيم الحق لأغار على مثل هذا الكتاب (حياة محمد) الذي حاول مؤلفه بما بذله من الجهود ليخرجه للناس المثل الأعلى في التمحيص أن يضم مثل هذه الآراء، مع ما له من آراء سامية!
ومما يعجب له المرء قوله بعدما تقدم من كلامه بلا فصل:
(إذ ذاك تشاور النصارى ثم أعلنوا اليه أنهم رأوا أن لا يلاعنوه وأن يتركوه على دينه ويرجعوا على دينهم)!
كيف نراه طوى ما دار بينهم من المشاورة والرأي تثبيتا لرأيه! لكن ابن إسحاق ذكر في سيرته التي يستوحيها الدكتور فقال في سبب امتناع وفد نجران من المباهلة وما دار بينهم من الحوار: (ثم خلوا بالعاقب وكان ذا رأيهم فقالوا يا عبد المسيح ماذا ترى؟ قال والله يا معاشر النصارى لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علمتم ما لا عن قوم نبيا قط فبقي كبيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنه الاستيصال