والمشركون في غزوة بدر خرجوا مستعدين للحرب عليهم البيض والدروع، عدتهم ألف مقاتل، يقودون مائة فرس، على غاية من الفخر والمباهاة، وكانت العادة تقضي بالظفر لقريش لقوة عددهم وكثرة عددهم.
التقى الجيشان ففاز المسلمون بالظفر، وكان ذلك لاحتمالهم، فإن الجندي إنما يقاتل بقلبه دون سلاحه، والجيش يغلب بصبره لا بكثرته، فكم من شاك السلاح يقوم له أعزل فيسلبه سلاحه!
والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن خطب عرى لا أدعي أن قريشا يوم بدر لا قلوب لهم، فإنهم المشهور لهم بين العرب بالبأس والبسالة وجرأة الجنان، ولكن القلوب تتفاوت شدة وضعفا، فالجبان إذا لقي أجبن منه كان شجاعا، والشجاع إذا لقي أشجع منه كان جبانا.. وأين لأبطال قريش قلوبا كقلوب أبطال المسلمين؟! فلقد أضيف إلى جرأتهم قوة الإيمان واليقين بما وعد الله سبحانه، بقوله: (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) وقوله سبحانه: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله). وقوله سبحانه: (ولا تحسين الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون). وقوله صلى الله عليه وآله: (الجنة تحت ظلال الأسنة) ونحو هذا كثير.. فكان عظيم إيمانهم بهذه الآيات المحكمات يمثل لهم في بدر الجنة وقد تزخرفت وفتحت أبوابها، والحور العين وقد تزينت للقائهم، والملائكة حافين بهم