موسوعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) في الكتاب والسنة والتاريخ - محمد الريشهري - ج ٩ - الصفحة ١٦٢
أعينوني بورع واجتهاد، وعفة وسداد. فوالله ما كنزت من دنياكم تبرا (1)، ولا ادخرت من غنائمها وفرا (2)، ولا أعددت لبالي ثوبي طمرا.
بلى! كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله. وما أصنع بفدك وغير فدك، والنفس مظانها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها، وأوسعت يدا حافرها، لأضغطها الحجر والمدر، وسد فرجها التراب المتراكم.
وإنما هي نفسي أروضها بالتقوى؛ لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق....
ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل، ولباب هذا القمح، ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي، ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، ولا عهد له بالشبع، أو أبيت مبطانا وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، أو أكون كما قال القائل:
وحسبك داء أن تبيت ببطنة * وحولك أكباد تحن إلى القد أأقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش! فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة؛ همها علفها، أو المرسلة؛ شغلها تقممها، تكترش من أعلافها، وتلهو

(١) التبر: هو الذهب والفضة قبل أن يضربا دنانير ودراهم، وقد يطلق التبر على غيرهما من المعدنيات؛ كالنحاس والحديد والرصاص، وأكثر اختصاصه بالذهب (النهاية: ١ / ١٧٩).
(٢) الوفر: المال الكثير (النهاية: ٥ / 210).
(١٦٢)
مفاتيح البحث: الطعام (1)، الخوف (1)، الأكل (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»
الفهرست