فمن الله عز وجل عليكم بمحمد (صلى الله عليه وآله) فبعثه إليكم رسولا من أنفسكم، وقال فيما أنزل من كتابه: ﴿هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين﴾ (١) وقال: ﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ (٢) وقال: ﴿لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم﴾ (٣) وقال: ﴿ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم﴾ (4).
فكان الرسول إليكم من أنفسكم بلسانكم، وكنتم أول المؤمنين تعرفون وجهه وشيعته وعمارته، فعلمكم الكتاب والحكمة والفرائض والسنة، وأمركم بصلة أرحامكم وحقن دمائكم وصلاح ذات البين، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وأن توفوا بالعهد ولا تنقضوا الإيمان بعد توكيدها، وأمركم أن تعاطفوا وتباروا وتباذلوا وتراحموا، ونهاكم عن التناهب والتظالم والتحاسد والتقاذف والتباغي، وعن شرب الخمر وبخس المكيال ونقص الميزان، وتقدم إليكم فيما أنزل عليكم: ألا تزنوا ولا تربوا ولا تأكلوا أموال اليتامى ظلما، وأن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ولا تعثوا في الأرض مفسدين، ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وكل خير يدني إلى الجنة ويباعد من النار أمركم به، وكل شر يباعد من الجنة ويدني من النار نهاكم عنه.
فلما استكمل مدته من الدنيا توفاه الله إليه سعيدا حميدا، فيا لها مصيبة خصت