وتشتيت أديانهم من تعظيم الوفاء بالعهود، وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما استوبلوا (١) من الغدر والختر، فلا تغدرن بذمتك، ولا تخفر (٢) بعهدك، ولا تختلن (٣) عدوك، فإنه لا يجترئ على الله إلا جاهل، وقد جعل الله عهده وذمته أمنا أفضاه بين العباد برحمته، وحريما يسكنون إلى منعته، ويستفيضون به إلى جواره، فلا خداع ولا مدالسة ولا إدغال فيه (٤). فلا يدعونك ضيق أمر لزمك فيه عهد الله على طلب انفساخه، فإن صبرك على ضيق ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير من غدر تخاف تبعته، وأن تحيط بك من الله طلبة، ولا تستقيل فيها دنياك ولا آخرتك.
وإياك والدماء وسفكها بغير حلها؛ فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ولا أعظم لتبعة ولا أحرى لزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء بغير الحق، والله مبتدئ بالحكم بين العباد فيما يتسافكون من الدماء، فلا تصونن سلطانك بسفك دم حرام، فإن ذلك يخلقه (٥) ويزيله، " فإياك والتعرض لسخط الله؛ فإن الله قد جعل لولي من قتل مظلوما سلطانا، قال الله: ﴿ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا﴾ (6) ".