فمن شواهد خلقه خلق السماوات موطدات بلا عمد، قائمات بلا سند. دعاهن فأجبن طائعات مذعنات، غير متلكئات ولا مبطئات. ولولا إقرارهن له بالربوبية وإذعانهن بالطواعية لما جعلهن موضعا لعرشه، ولا مسكنا لملائكته، ولا مصعدا للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه. جعل نجومها أعلاما يستدل بها الحيران في مختلف فجاج (1) الأقطار. لم يمنع ضوء نورها ادلهمام سجف الليل المظلم. ولا استطاعت جلابيب سواد الحنادس أن ترد ما شاع في السماوات من تلألؤ نور القمر.
فسبحان من لا يخفى عليه سواد غسق داج ولا ليل ساج في بقاع الأرضين المتطأطئات، ولا في يفاع السفع (2) المتجاورات. وما يتجلجل به الرعد في أفق السماء، وما تلاشت عنه بروق الغمام، وما تسقط من ورقة تزيلها عن مسقطها عواصف الأنواء وانهطال السماء، ويعلم مسقط القطرة ومقرها، ومسحب الذرة ومجرها، وما يكفي البعوضة من قوتها، وما تحمل الأنثى في بطنها.
الحمد لله الكائن قبل أن يكون كرسي أو عرش، أو سماء أو أرض أو جان أو إنس، لا يدرك بوهم، ولا يقدر بفهم. ولا يشغله سائل، ولا ينقصه نائل، ولا ينظر بعين، ولا يحد بأين. ولا يوصف بالأزواج، ولا يخلق بعلاج. ولا يدرك بالحواس.
ولا يقاس بالناس. الذي كلم موسى تكليما، وأراه من آياته عظيما. بلا جوارح ولا أدوات، ولا نطق ولا لهوات.
بل إن كنت صادقا أيها المتكلف لوصف ربك فصف جبرائيل وميكائيل وجنود الملائكة المقربين في حجرات القدس مرجحنين (3)، متولهة عقولهم أن يحدوا