بقي من قومه. هكذا مضى الأمر.
وعندما رآى المنافقون والذين في قلوبهم مرض، أن خطتهم تلاشت بوجود علي كما تتلاشى خيوط العنكبوت، وأحلامهم ضاعت ببقاء الإمام أمير المؤمنين في المدينة، راحوا يرجفون بأن النبي ما ترك عليا في المدينة إلا لموجدة عليه، وأنه لو كان له به غرض لما خلفه على النساء والصبيان!
راحت شائعات حركة النفاق تزحم أجواء المدينة، وصارت أراجيفهم تحاصر علي بن أبي طالب - ليث الوغى وفارس ساحات الجهاد - وتنهال عليه من كل حدب وصوب، فماذا هو فاعل أمير المؤمنين؟
سرعان ما لحق برسول الله (صلى الله عليه وآله) وقص عليه أراجيف المنافقين، فما كان من النبي الأقدس إلا أن تحدث إلى علي بما يكشف عن حظوة كبيرة عند النبي، ومكانة لا تدانيها مكانة أحد من العالمين، فقال له بفيض حنان: " ارجع يا أخي إلى مكانك؛ فإن المدينة لا تصلح إلا بي أو بك؛ فأنت خليفتي في أهلي ودار هجرتي وقومي، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ ".
بصراحة لا يشوبها لبس سجل النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) جميع ما له من مناصب ومواقع ومسؤوليات ما خلا النبوة، وأوضح دون أدنى شائبة أن الإمام أمير المؤمنين هو الذي يجسد عمليا ديمومة الخط النبوي، وينهض بمسؤوليات النبي عند غيابه، في زعامة الأمة وقيادتها، وممارسة المرجعية الفكرية والعلمية للرسالة الإسلامية.
تسجل بعض النصوص التاريخية أن النبي (صلى الله عليه وآله) خاطب عليا بهذه الجملة صراحة: " إنه لابد من إمام وأمير؛ فأنا الإمام، وأنت الأمير " (1).