ومن حيث المضمون نرى أنه جعل لعلي (عليه السلام) جميع المناصب التي كانت لهارون (عليه السلام) في عصر موسى (عليه السلام) إلا النبوة، وذكر القرآن الكريم مناصب هارون بهذا النحو: ﴿واجعل لي وزيرا من أهلي * هرون أخي * اشدد به أزرى * وأشركه في أمري﴾ (١).
وثبتت هذه المناصب لعلي (عليه السلام) في الأحاديث النبوية بصراحة (٢).
وأورد القرآن الكريم قسما آخر من مناصب هارون بالنحو الآتي:
﴿اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين﴾ (3).
إن واقع حياة علي (عليه السلام)، ودفاعه الفذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وشهوده الذي لا مثيل له في حروبه جميعها، كل أولئك معلم على أن الله تعالى جعل لعلي (عليه السلام) من رسول الله (صلى الله عليه وآله) منزلة هارون من موسى (عليهما السلام).
لقد مضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) في إبلاغ رسالته حسب المجريات الطبيعية للأمور، وكان علي (عليه السلام) أفضل وأثبت نصير له في هذا السبيل. فمبيته في فراشه، واستبساله العجيب في معركة بدر التي كانت أول اختبار للمسلمين، وكانت مصيرية رهيبة، وحمايته العظيمة له (صلى الله عليه وآله) في أحد وقد فر كثير من المدعين، ومبارزته لعمرو بن عبد ود في معركة الخندق بعد حصار المشركين المخيف، وتجلي قوته في خيبر وقد ظل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه خلف أسوارها، وغير ذلك كله آية على أن دعمه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) كان مصيريا.