فإن هذا الامتناع بمثابة إعلان حرب وهو من جرائم الخيانة العظمى التي يعاقب مرتكبها بالموت، كائنا من كان، ومن الطبيعي أن الخليفة وأركان دولته قد سمعوا بامتناع الإمام الحسين عن البيعة، وأنهم بوقت يطول أو يقصر سيرسلون قواتهم المسلحة لتجر الإمام الحسين وأهل بيته بالقوة، وتجبرهم على البيعة وهم صاغرون، أو تقتلهم أشنع قتلة، ولن تأخذ الخليفة ولا أركان دولته بهم رحمة أبدا، ولن يرعوا فيهم إلا ولا ذمة، فالحسين موقن أنه أمام فرعون وجنوده، ولكن فرعون المسلمين مسلح بالدين، فهو يلبس قفازات بيض، ويتظاهر بالإسلام والطهارة والبراءة، ويده ملطخة بدماء الجريمة، والحسين بشر مزود فسيولوجيا بالطاقة على الهروب مما يؤذيه وعلى البحث عما يأويه ويحميه، فالحسين يريد فئة من الناس تحميه وتحمي أهل النبوة، وتنصرهم وتمنعهم من فرعون وجنوده، إذا ما جاءوا يوما وهم قادمون لا محالة - لجر الحسين وأهل بيت النبوة إلى البيعة وهم صاغرون أو قتلهم، هذا بالضبط ما يريده الإمام الحسين.
إصلاح الأمة:
خلال فترة امتناع الحسين عن البيعة، وخلال فترة المطاردة سيسمع كل المسلمين بواقعة امتناع الحسين عن المبايعة وبواقعة مطاردة الفرعون وجنوده وسيسمعون بالأسباب التي دعت الإمام الحسين للامتناع عن البيعة، فالحسين ليس رجلا من عامة الناس، فالمسلمون يعرفونه على أنه عميد آل محمد الذين يصلون عليهم في صلاتهم، وعميد أهل بيت النبوة الذين طهرهم الله، وعميد ذوي القربى الذين افترض الله مودتهم على العباد، لذلك فمن المعروف بالضرورة أن المسلمين سيتابعون مآل امتناع الإمام عن البيعة وعاقبة هذا الامتناع، ويتابعون أيضا أنباء المطاردة، ويتابعون بالضرورة تصريحات الإمام الحسين خلال فترة المطاردة، وهذا بالضبط ما أراده الإمام الحسين وسيعرف المسلمون في النتيجة أن خليفتهم ليس هو خليفة رسول الله كما يدعي، إنما هو رجل غاصب للسلطة، استولى عليها بالقوة وفرض نفسه على المسلمين بالقهر، وحكمهم بالطريقة التي يحكم بها أئمة الكفر رعاياهم، خاصة وأن المسلمين جميعا يعرفون