كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ١٥٦
لكنهم ليسوا على استعداد إطلاقا للمساهمة بأي شكل من الأشكال بنصرة الحسين أو حمايته!!! لقد تعودوا أن يقفوا ساكنين أمام أي مواجهة بين فريقين، فإذا انتصر أحدهما وقفوا مع الغالب، وسلموا له تسليما كاملا، فإذا ظهر على المسرح فارس جديد يريد أن يغلب غالب الأمس، فإنهم يتمسكون بغالب الأمس لا حبا به، ولكن خوفا منه!!، كأن انسانيتهم قد أصيبت بالشلل فعلا!! لما قال أمير المدينة إن الخليفة في دمشق أمره أن يأخذ البيعة من الحسين، وإن أبى فعليه أن يضرب عنقه يمكن لعقلاء الأنصار التدخل بهذه الحالة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاقتراح على الأمير أن يعطي الإمام الحسين فرصة لإعادة النظر في موقفه!! يمكنهم أن يقولوا للأمير: رجاء أن تبلغ الخليفة في دمشق أن الإمام الحسين هو ركن آل محمد، وأهل بيته وذوي قرباه وهو ابن رسول، وقتل هذا الرجل يسبب حرجا للجميع، ولكن أهل المدينة ليسوا على استعداد حتى لمثل هذه التضحية البسيطة، فقلوبهم مسكونة بالرعب، فقد يظن الخليفة أو أميره على المدينة أنهم يوالون أهل بيت النبوة، وقد بينا أن موالاة أهل البيت كانت من جرائم الخيانة العظمى وعقوبتها التنكيل وهدم الدار (1) وقد يظن الخليفة أن أهل المدينة يحبون أهل البيت، وحب أهل بيت النبوة أيضا من جرائم الخيانة العظمى وعقوبتها شطب ومحو اسم (المجرم) من ديوان العطاء، وتجريده من الحقوق المدنية بحيث لا تقبل له شهادة (2) فمن له بهذه الحالة مصلحة ليأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، فتقدير أهل المدينة أن الإمام الحسين سيقدر أوضاعهم، وسيلتمس لهم عذرا!!! إن الفراعنة أنفسهم لم يذلوا رعاياهم لهذه الدرجة التي أذل فيها معاوية وابنه وخلفاء بني أمية رعاياهم لقد كان حكمهم أكثر بشاعة وقبحا وظلما من حكم الفراعنة!!.
والخلاصة وأمام هذه السلبيات القاتلة فإنه لا ينبغي للإمام الحسين أن يأمل بنصرة ومنعة أهل المدينة له ولموقفه ولآل محمد وذوي قرباه، فلو أمرهم الخليفة أن يصلبوا الإمام الحسين في جذوع النخل، أو أن يحرقوه حيا لنفذوا أمر الخليفة

(1) راجع شرح نهج البلاغة لعلامة المعتزلة ج 3 ص 595 - 596 تحقيق حسن تميم.
(2) المصدر نفسه.
(١٥٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 161 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327