لكنهم ليسوا على استعداد إطلاقا للمساهمة بأي شكل من الأشكال بنصرة الحسين أو حمايته!!! لقد تعودوا أن يقفوا ساكنين أمام أي مواجهة بين فريقين، فإذا انتصر أحدهما وقفوا مع الغالب، وسلموا له تسليما كاملا، فإذا ظهر على المسرح فارس جديد يريد أن يغلب غالب الأمس، فإنهم يتمسكون بغالب الأمس لا حبا به، ولكن خوفا منه!!، كأن انسانيتهم قد أصيبت بالشلل فعلا!! لما قال أمير المدينة إن الخليفة في دمشق أمره أن يأخذ البيعة من الحسين، وإن أبى فعليه أن يضرب عنقه يمكن لعقلاء الأنصار التدخل بهذه الحالة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاقتراح على الأمير أن يعطي الإمام الحسين فرصة لإعادة النظر في موقفه!! يمكنهم أن يقولوا للأمير: رجاء أن تبلغ الخليفة في دمشق أن الإمام الحسين هو ركن آل محمد، وأهل بيته وذوي قرباه وهو ابن رسول، وقتل هذا الرجل يسبب حرجا للجميع، ولكن أهل المدينة ليسوا على استعداد حتى لمثل هذه التضحية البسيطة، فقلوبهم مسكونة بالرعب، فقد يظن الخليفة أو أميره على المدينة أنهم يوالون أهل بيت النبوة، وقد بينا أن موالاة أهل البيت كانت من جرائم الخيانة العظمى وعقوبتها التنكيل وهدم الدار (1) وقد يظن الخليفة أن أهل المدينة يحبون أهل البيت، وحب أهل بيت النبوة أيضا من جرائم الخيانة العظمى وعقوبتها شطب ومحو اسم (المجرم) من ديوان العطاء، وتجريده من الحقوق المدنية بحيث لا تقبل له شهادة (2) فمن له بهذه الحالة مصلحة ليأمر بالمعروف أو ينهى عن المنكر، فتقدير أهل المدينة أن الإمام الحسين سيقدر أوضاعهم، وسيلتمس لهم عذرا!!! إن الفراعنة أنفسهم لم يذلوا رعاياهم لهذه الدرجة التي أذل فيها معاوية وابنه وخلفاء بني أمية رعاياهم لقد كان حكمهم أكثر بشاعة وقبحا وظلما من حكم الفراعنة!!.
والخلاصة وأمام هذه السلبيات القاتلة فإنه لا ينبغي للإمام الحسين أن يأمل بنصرة ومنعة أهل المدينة له ولموقفه ولآل محمد وذوي قرباه، فلو أمرهم الخليفة أن يصلبوا الإمام الحسين في جذوع النخل، أو أن يحرقوه حيا لنفذوا أمر الخليفة