بيتك ليلا على حمار ويداك في يدي ابنيك الحسن والحسين يوم بويع لأبي بكر... " (1) فالأنصار لم تنصر أهل بيت النبوة بعد يوم واحد من وفاة النبي، فهل يعقل أن تستجيب الأنصار للحسين وحده!!! ثم إن الأنصار قد سمعت بموقف الإمام الحسين، وتجاهلت الأمر، وتظاهرت كأنها لم تسمع، وإن نسي الإمام الحسين فلن ينسى يوم حرمت أمه من ميراث أبيها، وصودرت المنح التي أعطيت لها حال حياة أبيها، ومنعت الخمس المخصص لذوي القربى، وطالبت بحقها أمام المهاجرين والأنصار فلم يدعمها أحد، ولو بكلمة واحدة. إنما وقف الجميع يتفرجون على صراع السيدة مع الخليفة وأركان دولته، وكان بوسعهم أن يأمروا على الأقل بالمعروف وينهوا عن المنكر باللسان وهذا أبسط ما على الإنسان.
والخلاصة أن الإمام الحسين كان واثقا ثقة مطلقة بأن أهل المدينة لن يحموه، ولن يحموا موقفه، ولن يحموا أهل بيت النبوة وأن الخليفة يزيد بن معاوية لو كلفهم بحرق بيت الحسين على من فيه لأطاعته الطائفة التي كلفها بالحرق، ولبقيت الطائفة الأخرى تتفرج، لهذه الأسباب مجتمعة ومنفردة قرر الإمام الحسين أن يترك المدينة وجوار جده العظيم وهو كاره. أنظر إلى قوله ومناجاته لجده: " وأنا خارج من جوارك وعلى الكراهية، فعليك مني السلام " (2).
كان الإمام الحسين يشعر أنه في قوم فرعون، وتحت حكم شبيه بحكمه، أنظر إليه وهو يردد الآية نفسها التي رددها موسى عندما خرج من عاصمة فرعون وخرج الإمام الحسين ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستين ببنيه وإخوته وبني أخيه وجل أهل بيته إلا محمد بن الحنفية وهو يتلو هذه الآية: * (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) * [القصص / 21] (3) وتابع الحسين حالة التمثل بموسى، فلما وصل إلى مكة قرأ آية: * (ولما توجه تلقاء مدين قال