كربلاء ، الثورة والمأساة - أحمد حسين يعقوب - الصفحة ١٦٢
فلعمري ليس الإمام العامل بالكتاب، والعادل بالقسط كالذي يحكم بغير الحق ولا يهدي ولا يهتدي " (1) لقد استغل الإمام فترة مطاردة دولة الخلافة له أحسن استغلال وكل ليلة قضاها الإمام الحسين مطاردا، وكل تصريح أدلى به ما هو إلا صرخة مدوية لتستفيق الأمة من غفوتها وترهلها ونومها العميق، ولونا من ألوان الحجة البالغة التي أمر الإمام الحسين على إقامتها كاملة على الأمة.
مضمون وصية الإمام الحسين التي كتبها لأخيه محمد بن الحنفية قد عرف من العامة والخاصة على السواء، وعرفته دولة الخلافة، وعرفته رعايا دولة الخلافة بالضرورة فهو يبرر امتناع الإمام الحسين عن البيعة، ويبرر أسباب خروجه من جوار جده، وكل فرد من أفراد الأمة عرف بالضرورة أن الخليفة وأركان دولته يطاردون الإمام الحسين وأهل بيته ليقبضوا عليهم، ويكرهونهم على البيعة أو يقتلونهم، وكل فرد من أفراد الأمة كان يعلم علم اليقين إن الإمام الحسين يبحث عمن ينصره، ويحميه ويحمي أهل بيته، ويحمي دعوة الحق التي ينادي بها، وكل فرد من أفراد الأمة سمع بكل التصريحات التي أدلى بها الإمام الحسين، وهي تصريحات واضحة لا تحتاج إلى توضيح، وهي تفيض بأنبل مشاعر الإخلاص للإسلام وقضيته، وتضع بين يدي أفراد الأمة قراءة موضوعية لواقع دولة الخلافة المناقض تماما للشرع الحنيف. وكل الأمة كانت تعرف بأن الإمام الحسين لن يتراجع عن موقفه لنصرة الحق وأنه بانتظار المخلصين من الأمة ليشاركوه نصرة الحق، وانتظر الإمام الحسين، أولئك المخلصين مدة طويلة، وصمد من شهر رجب حتى العاشر من محرم بوجه مطاردة دولة عظمى في زمانها، وطال انتظاره ولم يأت المخلصون، واخترقت نداءاته القدسية طبلة أذن كل فرد من أفراد الأمة وتجاهلت الأمة نداءات الإمام، وخذلته الأمة بالفعل، كان الإمام سلفا يعلم بأن الأمة ستخذله، وستضيعه، ولن تحفظه بدليل شكواه أمام قبر جده رسول الله قبل خروجه من المدينة حيث قال:
" السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة، أنا فرخك وابن

(1) كتاب الفتوح لابن أعثم الكوفي ج 5 ص 35 ومقتل الحسين للخوارزمي ج 1 ص 195.
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 167 168 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المركز 5
2 المقدمة 7
3 الباب الأول: الفئتان المتواجهتان في كربلاء 11
4 الفصل الأول: قائدا الفئتين 13
5 الفصل الثاني: أركان قيادة الفئتين 27
6 الفصل الثالث: عدد الفئتين 37
7 الفصل الرابع: المواقف والأهداف النهائية لقيادتي الفئتين 45
8 الباب الثاني: دور الأمة الإسلامية في مذبحة كربلاء 53
9 الفصل الأول: حالة الأمة وقت خروج الحسين عليه السلام وموقفها منه 55
10 الفصل الثاني: الموقف النهائي لأكثرية الأمة الإسلامية من مذبحة كربلاء 67
11 الفصل الثالث: الأقلية التي وقفت مع الامام الحسين عليه السلام أو تعاطفت معه 99
12 الفصل الرابع: أخباره السماء عن مذبحة كربلا 121
13 الباب الثالث: بواعث رحلة الشهادة ومحاطتها الأولى 141
14 الفصل الأول: التناقض الصارخ بين الواقع والشرعية 143
15 الفصل الثاني: اقتراحات المشفقين 167
16 الفصل الثالث: الإمام الحسين عليه السلام يشخص أمراض الأمة المزمنة 187
17 الفصل الرابع: رحلة الإمام الحسين عليه السلام للشهادة في سبيل الله 211
18 الفصل الخامس: محطات رحلة الشهادة من مكة إلى كربلاء 237
19 الباب الرابع: استعدادات الخليفة وأركان دولته لمواجهة الإمام 263
20 الفصل الأول: المواجهة 265
21 الفصل الثاني: خطط الخليفة وعبيد الله بن زياد لقتل الإمام الحسين وإبادة أهل بيت النبوة عليهم السلام 273
22 الفصل الثالث: الإمام يقيم الحجة على جيش الخلافة 281
23 الفصل الرابع: الإمام يأذن لأصحابه بالانصراف وتركه وحيدا 295
24 الفصل الخامس: الاستعدادات النهائية واتخاذ المواقع القتالية 301
25 الفصل السادس: مصرع الحسين وأهل بيته عليهم السلام 327