فلعمري ليس الإمام العامل بالكتاب، والعادل بالقسط كالذي يحكم بغير الحق ولا يهدي ولا يهتدي " (1) لقد استغل الإمام فترة مطاردة دولة الخلافة له أحسن استغلال وكل ليلة قضاها الإمام الحسين مطاردا، وكل تصريح أدلى به ما هو إلا صرخة مدوية لتستفيق الأمة من غفوتها وترهلها ونومها العميق، ولونا من ألوان الحجة البالغة التي أمر الإمام الحسين على إقامتها كاملة على الأمة.
مضمون وصية الإمام الحسين التي كتبها لأخيه محمد بن الحنفية قد عرف من العامة والخاصة على السواء، وعرفته دولة الخلافة، وعرفته رعايا دولة الخلافة بالضرورة فهو يبرر امتناع الإمام الحسين عن البيعة، ويبرر أسباب خروجه من جوار جده، وكل فرد من أفراد الأمة عرف بالضرورة أن الخليفة وأركان دولته يطاردون الإمام الحسين وأهل بيته ليقبضوا عليهم، ويكرهونهم على البيعة أو يقتلونهم، وكل فرد من أفراد الأمة كان يعلم علم اليقين إن الإمام الحسين يبحث عمن ينصره، ويحميه ويحمي أهل بيته، ويحمي دعوة الحق التي ينادي بها، وكل فرد من أفراد الأمة سمع بكل التصريحات التي أدلى بها الإمام الحسين، وهي تصريحات واضحة لا تحتاج إلى توضيح، وهي تفيض بأنبل مشاعر الإخلاص للإسلام وقضيته، وتضع بين يدي أفراد الأمة قراءة موضوعية لواقع دولة الخلافة المناقض تماما للشرع الحنيف. وكل الأمة كانت تعرف بأن الإمام الحسين لن يتراجع عن موقفه لنصرة الحق وأنه بانتظار المخلصين من الأمة ليشاركوه نصرة الحق، وانتظر الإمام الحسين، أولئك المخلصين مدة طويلة، وصمد من شهر رجب حتى العاشر من محرم بوجه مطاردة دولة عظمى في زمانها، وطال انتظاره ولم يأت المخلصون، واخترقت نداءاته القدسية طبلة أذن كل فرد من أفراد الأمة وتجاهلت الأمة نداءات الإمام، وخذلته الأمة بالفعل، كان الإمام سلفا يعلم بأن الأمة ستخذله، وستضيعه، ولن تحفظه بدليل شكواه أمام قبر جده رسول الله قبل خروجه من المدينة حيث قال:
" السلام عليك يا رسول الله، أنا الحسين بن فاطمة، أنا فرخك وابن