اعبد: الا أحدثك عني وعن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت أحب أهله إليه، وكانت عندي، فجرت بالرحى حتى أثرت بيدها، واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وقمت البيت حتى اغبرت ثيابها، وأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها وأصابها من ذلك ضر، فسمعنا ان رقيقا اتي بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: لو اتيت أباك فسألتيه خادما يكفيك فاتته فوجدت حداثا فاستحيت فرجعت، فغدا علينا ونحن في لفاعنا (الملحفة أو الكساء) فجلس عند رأسها، فأدخلت رأسها في اللفاع حياء من أبيها، فقال: ما كان حاجتك أمس إلى آل محمد، فسكنت مرتين، فقلت: انا والله أحدثك يا رسول الله ان هذه جرت عندي بالرحى حتى أثرت في يدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها، وكسحت البيت حتى اغبرت ثيابها، وبلغنا انه اتاك رقيق أو خدم فقلت لها: سليه خادما، قال أبو داود: فذكر معنى حديث حكم، ويعني بحديث حكم ما تقدم آنفا عن البخاري مسلم من قوله صلى الله عليه وسلم: الا أعلمكما خيرا مما سألتماني - إلى آخره (ورواه أيضا أبو نعيم في حلية الأولياء).
على أن البيت سرعان ما سعد بالذرية الصالحة، فلقد رزق الأبوان نصيبا طيبا طاهرا من البنين والبنات، الحسن والحسين ومحسن وزينب وأم كلثوم، وقد دعا النبي لكل منهما عند مولده (الهم اني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم)، وعق عن كل منهما بكبش، وامر بحلق شعره والتصدق بوزنه فضة، ثم ختنهما لسبعة أيام من المولد)، وقد عاشورا جميعا، ما عدا محسن فقد مات صغيرا.
وبدهي ان حياة هذه الأسرة الطاهرة المطهرة لم تخل من ساعات خلاف، وما خلت حياة آدمي قط من ساعات خلاف، وساعات شكاية، وكان الأب الأكبر يتولى صلحهما، وربما ترك صلى الله عليه وسلم مجلسه بين أصحابه ليدخل إلى الزوجين المتخاصمين فيرفع ما بينهما من جفاء، والصحابة الذين يتتبعون في وجه النبي كل خلجة من خوالج نفسه، ويتيحون لأنفسهم ان يسألوه، لأنه لا يملك من ضميره ما يضمن به على المتعلم والمتصبر، يجرون معه على عاداتهم كلما دخل البيت مهموما، وخرج منه منطلق الأسارير، فيسألونه فيجيب، ولم لا، وقد أصلحت بين أحب الناس إلي)، يروى انه صلى الله عليه وسلم روي ذات مساء وهو يسعى إلى دار فاطمة بادي الهم والقلق،