ولا يسوغ لنا أن نعتبر تفسيرات الصادق من أضرب التفسير بالرأي أو بالمأثور أو بهما - وهي مصنفة بين عقلي ونقلي وصوفي ورمزي وقصصي... الخ - وفي البعض منها تأويل باطني.
وابن عطية من كبار مفسري أهل السنة ينفى صحة نسبة تفسير باطني أو رمزي إلى الإمام الصادق، ويقول (.. وهذا قول جار على طريقة الرموز.
ولا يصح عن جعفر بن محمد - رضي الله عنه - ولا ينبغي أن يلتفت إليه).
إليك مثلا - بين نظائر تجل عن الحصر - لاستعمال اللسان العربي في التفسير: يقول زرارة للإمام الصادق: من أين علمت أن المسح ببعض الرأس؟
ويجيب الإمام: لمكان الباء في قوله تعالى (وامسحوا برءوسكم). يقصد أن الباء للبعضية.
ولقد تتابع على هذا التفسير الأئمة في اللغة والفقه. جاء في المصباح المنير في مادة (بعض) أن الباء (في قوله تعالى (وامسحوا برءوسكم) للتبعيض..
ونص على مجيئها للبعض ابن قتيبة... وأبو على الفارسي وابن جنى.. وذهب إلى مجئ الباء بمعنى البعض الشافعي وهو من أئمة اللسان. وقال بمقتضاه أحمد وأبو حنيفة) ومن استعمال ظاهر اللسان العربي تفسير " الكوثر " بأنه الذرية الكثيرة.
في قوله تعالى: " إنا أعطيناك الكوثر ". فهي صيغة مبالغة من الكثرة (فوعل) يؤيد ذلك الآية التي تجئ فيما بعد " إن شانئك هو الأبتر " والأبتر من لا عقب له. وبهذا ساغ تفسير الشيعة بأن الكوثر هو الذرية. وقد رزق الله النبي الذرية الكثيرة من فاطمة. فهي الكوثر المقصود. والآخرون يقولون إن الكوثر نهر في الجنة. وغيرهم يؤولونه بأنه النبوة.
ولقد أسلفنا طائفة من تفسيرات الامام، كالخوف من عدم العدل بين النساء، والإنفاق من رزق الله، ورؤية الله جل شأنه، وقتل النفس بإخراجها من الهدى إلى الضلال، والتفسيرات التي جعلت أبا حنيفة يقول عن آية (وما نقموا إلا أن أعناهم الله ورسوله من فضله) لكأني ما قرأتها قط في كتاب الله ولا سمعتها الا في هذا الموقف. وهي جميعا صادرة عن فهم دقيق للسان العربي الذي نزل به القرآن.