فوضع عليه كتاب أبي سلمة فأحرقه. فقال: ألا تجيبه؟ فقال: قد رأيت الجواب، فخرج من عنده وأتى عبد الله بن الحسن المثنى فقبل كتابه وركب إلى جعفر بن محمد فقال: أي أمر جاء بك يا أبا محمد لو أعلمتني لجئتك؟ فقال: أمر يجل عن الوصف! قال: وما هو يا أبا محمد؟
قال: هذا كتاب أبي سلمة يدعوني للأمر ويرى أني أحق الناس به، وقد جاءته شيعتنا من خراسان، فقال له جعفر الصادق عليه السلام:
ومتى صاروا شيعتك؟ أأنت وجهت أبا مسلم إلى خراسان وأمرته بلبس السواد؟ هل تعرف أحدا منهم باسمه ونسبه؟ كيف يكونون من شيعتك وأنت لا تعرفهم ولا يعرفونك؟ فقال له عبد الله، إن كان هذا الكلام منك لشئ؟ فقال جعفر: قد علم الله أني أوجب على نفسي النصح لكل مسلم فكيف أدخره عنك فلا تمنين نفسك الأباطيل، فإن هذه الدولة ستتم لهؤلاء القوم، ولا تتم لأحد من آل أبي طالب، وقد جاءني مثل ما جاءك، فانصرف غير راض بما قاله وأما عمر بن علي بن الحسين فرد الكتاب وقال: ما أعرف كاتبه فأجيبه. فهذا الذي صدر من الصادق (ع) سواء أكان من علم أخذه عن آبائه عن جده الرسول (ص) عن الله تعالى - كما نعتقده -، أو من بعد نظر وصواب في عواقب الأمور - كما يراه غيرنا - يدل على عظم قدر الصادق (ع) وإصابة رأيه - على الأقل - وعلى قصور نظر عبد الله في اغتراره بذلك، وعدم قبوله النصح من الصادق واتهامه إياه بعد ما أقام له الحجة الواضحة على صحة ما أشار به، ولله أمر هو بالغه. وفي قوله: لو أعلمتني لجئتك، دليل على كرم أخلاقه ومحافظته على حق الرحم مع مزاحمة عبد الله له فيما ليس له بأهل، وما يأتي عند