قد خصم نفسه قبل أن يتكلم، ثم قال: يا يونس لو كنت تحسن الكلام كلمته، قال يونس: فيا لها من حسرة! فقلت جعلت فداك إني سمعتك تنهي عن الكلام وتقول: ويل لأصحاب الكلام، يقولون هذا ينقاد وهذا لا ينقاد، وهذا ينساق وهذا لا ينساق، وهذا لا نعقله، فقال أبو عبد الله (ع) إنما قلت ويل لقوم تركوا قولي وذهبوا إلى ما يريدون! ثم قال: اخرج إلى الباب وانظر من ترى من المتكلمين فأدخله، فخرجت فوجدت حمران بن أعين، وكان يحسن الكلام، ومحمد بن النعمان الأحول، وكان متكلما وهشام بن سالم وقيس الماصر، وكانا متكلمين، فأدخلتهم عليه، فلما استقر بنا المجلس، وكنا في خيمة لأبي عبد الله عليه السلام على طرف جبل في طرف الحرم، وذلك قبل الحج بأيام أخرج أبو عبد الله رأسه من الخيمة، فإذا هو ببعير يخب، فقال: هشام ورب الكعبة. فظننت أن هشاما رجل من ولد عقيل كان شديد المحبة لأبي عبد الله (ع)، فإذا هشام بن الحكم قد ورد وهو أول ما اختطت لحيته وليس فينا إلا من هو أكبر سنا منه، فوسع له أبو عبد الله وقال: ناصرنا بقلبه ولسانه ويده! ثم قال لحمران: كلم الرجل، يعني الشامي، فكلمه حمران فظهر عليه ثم قال: يا طاقي كلمه فكلمه، فظهر عليه محمد بن النعمان ثم قال: يا هشام بن سالم كلمه، فتقاربا، ثم قال لقيس الماصر:
كلمه، فكلمه. وأقبل أبو عبد الله يتبسم من كلامهما، وقد استخذل الشامي في يده، ثم قال للشامي: كلم هذا الغلام، يعني هشام بن الحكم، فقال: نعم. ثم قال الشامي لهشام: يا غلام سلني في إمامة هذا، يعني أبا عبد الله (ع)، فغضب هشام حتى ارتعد ثم قال له: