فطريق المؤمن إلى الله هو طريق العقل. ينتج عن هذا، أن الثواب الذي يثاب به المؤمن هو في حدود ما يعقله من الخير ويؤمن به. فلا يفعل الخير تقليدا وخضوعا لمن هو أكبر منه، أو خوفا من المجتمع الذي يراقبه، بل يفعله لأنه مقتنع به، مؤمن بضرورته، واثق من حسن نتائجه، مدرك لرضا الله عنه.
وليس العقل في رأيي عملية وعي وإدراك فقط، ففعاليته لا تكون إلا حين يرتبط بمفهوم أخلاقي خاص. يرتبط بالتواضع، والصدق، والاستقامة، وحسن الظن بالناس، والصمت عن كل شئ إلا فيما ينفع الناس ويرضي الله. وهو مرتبط أيضا بالاعتدال في كل شئ، في الحب والكره، والكرم والبخل، والسرعة والبطء، فلا إفراط ولا تفريط.
أما العلم ففي قاعدته حسن الأخلاق. وقيمة العلم في تطبيقه. لأن المعرفة التي لا تدفع صاحبها إلى العمل شئ غير موجود.
وينتقل الإمام بعد ذلك فيحدثنا بما معناه، عما نسميه اليوم ب " الخلق المتحضر " فلا يسير فيه المرء مع شهواته وينسى ما التزمه من قواعد العمل في حياته، حين يستفزه الغضب، أو يرضيه الغنى والسلطان. فالمؤمن أي المتحضر الذي يعيش إنسانيته عيشا حقيقيا هو الذي لا ينسى الحق عند غضبه ولا يقبل بالدخول في الباطل عند رضاه.
وكم يعجبني أن أكتشف خلال هذه الحكم خطوطا رائعة يصور بها الإمام أحوال النفس الإنسانية، في اطمئنانها وقلقها، وحزمها وترددها، وشكواها ورضاها، وما يكمن فيها من عقد نفسية عجيبة، تحاول أن