المعيشة الجديدة بعد انتقال العرب من البداوة إلى الحضارة، ومن الرحلة الدائمة إلى الاستقرار الدائم، ومن القلة إلى الكثرة، ومن نظام القبيلة إلى نظام المدينة، ومن سلطة الشيخ إلى سلطة الحكومة المنظمة. فلبست الحكمة بفضل هذه الظروف الجديدة، لبوسا آخر غير لبوسها، وحاولت على طريقتها في التلخيص الشديد أن تعطي حلولها القصيرة الواضحة لأعقد المشكلات التي كانت تعترض المجتمعات الإسلامية يومذاك.
ونحن رغم اعترافنا بظهور المجلدات الكبيرة التي يعالج أصحابها مشكلة أخلاقية على حدة، أو مشكلة سياسية، وأخرى اجتماعية، فإننا لا يسعنا إلا أن نعترف أيضا بأن الحكمة قد بقيت في أوساط هذه المجتمعات متداولة بين الناس، تمثل جانبا مهما من ثقافتهم، وتصور جزءا غير ضئيل من معنى حضارتهم.
وما تزال ثقافة العامة حتى يومنا هذا ثقافة مركزة في مجموعة الحكم التي يتداولها الأبناء عن الآباء، والتي بها يفصلون في كثير من القضايا، والتي بها يحددون سيرهم وسلوكهم والنجاح الاجتماعي الذي سجلوه.
فإذا صح ما ذكرناه في الفقرات السابقة، فقد وجب علينا أن نرى في حكم الإمام الصادق، هذا اللون من الثقافة التي تحمل طابعا قوميا وحضاريا في الوقت نفسه.
وها نحن نورد فيما يلي بعضا من هذه الحكم:
1 - إن الثواب على قدر العقل.
2 - أكمل الناس عقلا أحسنهم خلقا.