تشبه الجبل، فنظر الملك إلى ضوء النار تبدو في ناحية المزبلة. فقال للوزير: ان لهذه لقصة، فأنزل بنا نمشي حتى ندنو منها، فنعلم خبرها.
ففعلا ذلك. فلما انتهيا إلى مخرج الضوء وجدا نقبا شبيها بالغار، وفيه مسكين من المساكين.
ثم نظرا في الغار من حيث لا يراهما الرجل، فإذا الرجل مشوه الخلق، عليه ثياب خلقان من خلقان المزبلة، متكئ على متكاء قد هيأه من الزبل، وبين يديه إبريق فخار فيه شراب وفي يده طنبور يضرب بيده. وامرأته في مثل خلقه ولباسه قائمة بين يديه تسقيه إذا استسقى منها، وترقص له إذا ضرب، وتحييه بتحية الملوك كلما شرب. وهو يسميها سيدة النساء، وهما يصفان أنفسهما بالحسن والجمال، وبينهما من السرور والضحك والطرب مالا يوصف.
فقام الملك على رجليه مليا، والوزير ينظر كذلك، ويتعجبان من لذتهما واعجابهما بما هما فيه.
ثم انصرف الملك والوزير.
فقال الملك: ما أعلمني وإياك أصابنا الدهر من اللذة والسرور والفرح مثل ما أصاب هذين الليلة، مع اني أظنهما يصنعان كل ليلة مثل هذا.
فاغتنم الوزير ذلك منه، ووجده فرصة، فقال له: أخاف - أيها الملك - أن تكون دنيانا هذه من الغرور، ويكون ملكك وما نحن فيه من البهجة والسرور في أعين من يعرف الملكوت الدائم مثل هذه المزبلة، ومثل هذين الشخصين اللذين رأيناهما، وتكون مساكننا وما شيدنا منها عند من يرجو مساكن السعادة وثواب الآخرة مثل هذا الغار في أعيننا، وتكون أجسادنا عند من يعرف الطهارة والنضارة والحسن والصحة مثل جسد هذه المشوه الخلق في أعيننا، ويكون تعجبهم عن إعجابنا بما نحن فيه كتعجبنا من اعجاب هذين الشخصين بما هما فيه.
قال الملك: وهل تعرف لهذه الصفة أهلا؟
قال الوزير: نعم.