إلا أنه أراد دفع حجتهم فأمرهم بالجهاد ليتمم بدوره الحجة عليهم، ثم رأى المصلحة في الصلح لما رأى من غدرهم وخيانتهم ومكرهم، وعلم أن لا مكسب من الحرب سوى الفساد العام.
أنظر إلى هؤلاء الأصحاب كيف وصل بهم الأمر من عدم الحياء، بحيث كان الإمام (عليه السلام) مطروحا على فراشه يقاسي الجراح ولكنه يرى الصلح مع معاوية خيرا من الحديث معهم!!
روى زيد بن وهب الجهني قال: لما طعن الحسن بن علي (عليه السلام) بالمدائن أتيته وهو متوجع، فقلت: ما ترى يا بن رسول الله فإن الناس متحيرون؟ فقال: أرى والله أن معاوية خير لي من هؤلاء يزعمون أنهم لي شيعة، ابتغوا قتلي وانتهبوا ثقلي، وأخذوا مالي، والله لئن آخذ من معاوية عهدا أحقن به دمي وآمن به في أهلي خير من أن يقتلوني فيضيعوا أهل بيتي، والله لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلما، فوالله لئن أسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير ويمن علي فيكون سبة على بني هاشم إلى آخر الدهر، ومعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحي منا والميت (1).
قال: قلت: تترك يا بن رسول الله شيعتك كالغنم ليس لهم راع؟
قال: وما أصنع يا أخا جهينة؟! إني والله أعلم بأمر قد أدى به إلي عن ثقاته:
إن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لي ذات يوم وقد رآني فرحا: يا حسن أتفرح؟ كيف بك إذا رأيت أباك قتيلا؟ أم كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أمية وأميرها الرحب البلعوم، الواسع الأعفاج، يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر ولا في