فقال أبو بكر لمطعم: بئس ما قلت لابن أخيك، جبهته وكذبته، أما أنا فأشهد أنه صديق صادق. فقالوا: يا محمد صف لنا بيت المقدس، كيف بناؤه وكيف هيئته؟ وكيف قربه من الجبل؟ وفي القوم من سافر إليه. فذهب ينعت لهم بناءه كذا وهيئته كذا، وقربه من الجبل كذا، فما زال ينعته لهم حتى التبس عليه النعت فكرب كربا ما كرب مثله، فجئ بالمسجد وهو ينظر إليه حتى وضع دون دار عقيل أو عقال، فقالوا: كم للمسجد من باب؟ ولم يكن عدها، فجعل ينظر إليه ويعدها بابا بابا، ويعلمهم، وأبو بكر يقول: صدقت صدقت، أشهد أنك رسول الله. فقال القوم: أما النعت فوالله لقد أصاب.
ثم قالوا لأبي بكر: أفتصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟
قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة. فبذلك سمي أبو بكر الصديق. ثم قالوا: يا محمد أخبرنا عن عيرنا. فقال: " أتيت على عير بني فلان بالروحاء قد ضلوا ناقة لهم، فانطلقوا في طلبها، فانتهيت إلى رحالهم، فليس بها منهم أحد، وإذا قدح ماء فشربت منه، ثم انتهيت إلى عير بني فلان في التنعيم يقدمها جمل أورق عليه مسح أسود وغرارتان سوداوان وها هي ذه تطلع عليكم من الثنية ". قالوا: فمتى تجئ؟ قال يوم الأربعاء. فلما كان ذلك اليوم، انصرفت قريش ينظرون وقد ولى النهار، ولم تجئ. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم، فزيد له في النهار ساعة، وحبست عليه الشمس، حتى دخلت العير، فاستقبلوا الليل. فقالوا: هل ضل لكم بعير؟ قالوا: نعم. فسألوا البعير الأخر فقالوا: هل انكسر لكم ناقة حمراء؟ قالوا: نعم. قالوا: فهل كان عندكم قصعة من ماء؟ فقال رجل: أنا والله وضعتها فما شربها أحد، متأولا أهريقت في الأرض. فرموه بالسحر، وقالوا: صدق الوليد، فأنزل الله تعالى:
(وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) (الإسراء: 60).
فائدة: أخرج ابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، منذ أسرى به ريحه ريح عروس وأطيب من ريح عروس. شعر ويرحم الله تعالى من قال:
ساد الأنام محمد خير الورى * بفضائل جلت عن الإحصاء وجوامع الكلم التي ما نالها * أحد من الفصحاء والبلغاء وإلى الخلائق كلهم إرساله * فشفى القلوب الجمة الأدواء وله الشفاعة والوسيلة في غد * ومقامه السامي على الشفعاء ويحئ يومئذ كما قد قاله * أنا راكب والرسل تحت لوائي ولقد دنا من ربه لما دنا * في ليلة المعراج والإسراء سمع الخطاب بحضرة قدسية * ما حلها بشر من العظماء