هل رآه بعينه أو بقلبه؟ والقولان رويا عن الإمام أحمد. وقال الامام النووي: الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه ليلة المعراج، وبسط الكلام على ذلك واستدل بأشياء نوزع في بعضها كما سيأتي بيانه في ذكر أدلة المذهب الأول.
وذهب جماعة إلى الوقف في هذه المسألة ولم يجزموا بنفي ولا إثبات لتعارض الأدلة، ورجح ذلك الإمام أبو العباس القرطبي في المفهم، وعزاه لجماعة من المحققين، وقواه بأنه ليس في الباب دليل قاطع. وغالب ما استدلت به الطائفتان ظواهر متعارضة قابلة للتأويل. قال:
وليست ا لمسألة من التعظيمات فيكتفي فيها بالدلالة الظنية، فإنما هي من المعتقدات فلا يكتفى فيها إلا بالدليل القطعي.
وقال السبكي رحمه الله في السيف المسلول: (ليس من شرطه أن يكون قاطعا متواترا بل متى كان حديثا صحيحا ولو ظاهرا وهو من رواية الآحاد، جاز أن يعتمد عليه في ذلك لان ذلك من مسائل الاعتقاد التي يشترط فيها القطع، على أنا لسنا مكلفين بذلك). انتهى.
وقال القاضي في الشفاء وغيره: (لا مرية في الجواز، إذا ليس في الآيات: (لا تدركه الابصار) [الانعام: 103]، (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني) [الأعراف: 143] نص في المنع للرؤية، بل هي مشيرة للجواز كما تقرر ذلك. وأما وجوب وقوعها لنبينا صلى الله عليه وسلم، والقول بأنه رآه بعينه، فليس فيه قاطع أيضا ولا نص يعول عليه، إذ المعول عليه فيه على آيتي النجم: (ما كذب الفؤاد ما رأى) [النجم: 11] و (ما زاغ البصر وما طغى) [النجم: 17]. والتنازع بين الأئمة فيهما مأثور، والاحتمال لهما من حيث دلالتهما على الرؤية وعدمها ممكن، لعدم صراحتهما بها، لا أثر قاطع متواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك. وحديث ابن عباس أنه رآه بعينه أو بفؤاده إنما نشأ عن اعتقاد لم يسنده إلى ا لنبي صلى الله عليه وسلم حتى يعتبر فيجب العمل باعتقاد مضمنه من رؤيته ربه. ومثله حديث شريك عن أبي ذر في تفسير الآية بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه، وحديث معاذ: (رأيت ربي في أحسن صورة) (1)، مضطرب الاسناد والمتن. وحديث أبي ذر مختلف من حيث اللفظ محتمل لان يكون رآه أو لم يره، مشكل من حيث جعل ذاته نورا، فروي: (نور أني أراه) (2) - بفتح أوله وتشديد النون - أي نورا لن أراه، أي لجري العادة بأن النور إذا غشى البصر حجبه في رؤيته لما وراءه، وروي:
(نوراني، أي بكسر النون الثانية وتشديد التحتية).