أخرى. الثاني: أنه عطف جملة تقديره مقدرة على جملة. فمثال المستقلة: خرج زيد ودخل عمرو، ومثال المقدرة: خرج زيد ودخل، الوجهان جائزان هنا. أما الأول فكأنه تعالى قال عند ظهور النور: ما زاغ بصر محمد وما طغى محمد بسبب الالتفات، ولو التفت لكان طاغيا. وأما الثاني فظاهر. فإن قيل بأن الغاشي للسدرة جراد، فالمعنى لم يلتفت إليه وما طغى، أي ما التفت إلى غير الله تعالى، ولم يلتفت إلى الجراد ولا إلى غير الجراد، بل إلى الله سبحانه وتعالى. أما على قول من قال غشيها نور، فقوله تعالى: (ما زاغ) أي ما مال عن الأنوار. وما طغى، أي ما طلب شيئا وراءه. وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال: ما زاغ وما طغى ولم يقل ما مال وما جاوز، لان الميل في ذلك الموضع والتجاوز مذمومان، فاستعمل الزيغ والطغيان فيه.
وفيه وجه آخر، وهو أن يكون ذلك بيانا لوصول النبي صلى الله عليه وسلم إلى شدة اليقين الذي لا يقين فوقه، ووجه ذلك أن بصره صلى الله عليه وسلم ما زاغ أي ما مال عن الطريق، فلم ير الشئ على خلاف ما هو عليه بخلاف من ينظر إلى عين الشمس مثلا، ثم ينظر إلى شئ أبيض فإنه يراه أصفر وأخضر، يزيغ بصره عن جادة الابصار. وقوله: (وما طغى) أي ما تخيل المعدوم موجودا، وقيل: (وما طغى) أي ما تخيل المعدوم موجودا وقيل: (وما طغى) أي ما جاوز ما أمر به).
الثالث والعشرون: في الكلام على قوله تعالى: (لقد رأى من آيات ربه الكبرى) [النجم: 18].
اللباب: (في الكبرى وجهان، أظهرهما أنه مفعول رأى من آيات ربه حال مقدمه، والتقدير: لقد رأى الآيات ا لكبري من آيات ربه. والثاني أن (من آيات ربه) هو مفعول الرؤية، والكبرى صفة الآيات ربه. وهذا الجمع يجوز وصفه بوصف المؤنثة الواحدة، وحسنه هنا كونها فاصلة).
الإمام الرازي: (في الكبرى وجهان: أحدهما: أنهما صفة لمحذوف تقديره لقد رأى من آيات ربه. ثانيهما: صفة الآيات ربه، فيكون مفعول رأى محذوفا تقديره: رأى من آيات ربه الكبرى آية أو شيئا.
القرطبي: يجوز أن تكون (من) زائدة، أي رأى آيات ربه الكبرى. وقال بعضهم: آيات ربه الكبرى هي أنه رأى جبريل عليه السلام في صورته).
قال الامام: (والظاهر أن هذه الآيات غير تلك لان جبريل وإن كان عظيما لكن ورد في الاخبار أن لله ملائكة أعظم منه. والكبرى تأنيث الأكبر، فكأنه تعالى قال: رأى من آيات ربه آيات هي أكبر الآيات. وروى الإمام أحمد والترمذي وصححه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (رأى جبريل في حلة من رفرف قد ملا ما بين السماء والأرض).