أي فعله فيكون الجواب: الروح من فعل ربي، إن كان السؤال: هل هي قديمة أو حادثة؟ فيكون الجواب: أنها حادثة ".. إلى أن قال: " ولهذا سكت السلف عن البحث في هذه الأشياء والتعمق فيها ". وقال الإسماعيلي: " يحتمل أن يكون جوابا وأن الروح من جملة أمر الله وأن يكون المراد: اختص الله عز وجل بعلمه ولا سؤال لأحد عنه ".
وقال السهيلي بعد أن حكى ما المراد في الآية: " وقالت طائفة: الروح الذي سألت عنه اليهود هو الروح الإنسان، ثم اختلف أصحاب هذا القول، فمنهم من قال: لم يجبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على سؤالهم، لأنهم سألوه تعنتا واستهزاء، فقال الله عز وجل: (قل الروح من أمر ربي)، ولم يأمره أن يبينه لهم، وقالت طائفة: بل أخبرهم وأجابهم بما سألوه، لأنه قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: (قل الروح من أمر ربي)، وأمر الرب هو الشرع والكتاب الذي جاء به، فمن دخل في الشرع وتفقه في الكتاب والسنة عرف الروح، فكان معنى الكلام: ادخلوا في الدين تعرفوا ما سألتم عنه، فإنه من أمر ربي أي من الأمر الذي جئت به مبلغا عن الرب، وذلك أن الروح لا سبيل إلى معرفتها من جهة الطبيعة ولا من جهة الفلسفة ولا من جهة الرأي والمعرفة، وإنما تعرف من جهة الشرع، فإذا نظرت إلى ما في الكتاب والسنة من ذكرها نحو قوله تعالى: (ثم سواه ونفخ فيه من روحه) (السجدة: 9) أي من روح الحياة، والحياة من صفات الله سبحانه وتعالى، وإلى ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن " الأرواح جنود مجندة "، وأنها تتعارف وتتشام في الهواء، وأنها تقبض من الأجساد بعد الموت، وأنها تسأل في القبر فتفهم السؤال وتسمع وترى، وتنعم وتعذب، وتلتذ وتتألم، وهذه كلها من صفات الأجسام، فإنك تعرف أنها أجسام بهذه الدلائل، لكنها ليست كالأجسام في كثافتها وثقلها وإظلامها، إذ الأجسام خلقت من طين وحمأ مسنون، فهو أصلها، والأرواح خلقت من ماء كما قال الله سبحانه وتعالى، ويكون النفخ المتقدم المضاف إلى الملك، والملائكة خلقت من النور كما جاء في الصحيح وإن كان قد أضاف النفخ إلى نفسه سبحانه وتعالى وكذلك أضاف قبض الأرواح إلى نفسه فقال: (الله يتوفى الأنفس حين موتها) (الزمر 42)، وأضاف ذلك إلى الملك أيضا فقال: (قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم) (السجدة 11)، والفعل مضاف إلى الملك مجازا وإلى الرب حقيقة.
فالروح إذا جسم ولكنه من جنس الريح، ولذلك سمي روحا من لفظ الريح، ونفخة الملك في معنى الريح، غير أنه ضم أوله لأنه نوراني، والريح هواء متحرك. وإذا كان الشرع قد عرفنا من معاني الروح وصفاتها هذا القدر، فقد عرف من جهة أمرها كما قال سبحانه وتعالى:
(وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) (الإسراء 85)، وقوله: " من أمر ربي "، أيضا، ولم يقل من