وفي وصفه بذلك تنبيه على أمور:
الأول: أنه بقوته يمنع ا لشياطين أن تدنو منه وأن ينالوا منه شيئا أو يزيدوا فيه أو ينقصوا منه، بل إذا رآه ا لشيطان هرب منه ولم يقربه.
الثاني: أنه موال لهذا الرسول الذي كذبتموه ومعاضد له ومواد له وناصر، كما قال تعالى: (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) [التحريم: 4] الآية. ومن كان هذا القوي وليه ومن أنصاره وأعوانه ومعلمه. فهو المهدي المنصور. والله هاديه وناصره.
الثالث: أن من عادى هذا الرسول فقد عادى صاحبه ووليه جبريل، ومن عادى ذا القوة والشدة فهو عرضة للهلاك.
الرابع: أنه قادر على تنفيذ ما أمر به بقوته فلا يعجز عن ذلك مواد له كما أمر).
السمين: (فاعل علمه جبريل صلى الله عليه وسلم وهو الظاهر. قال الماوردي والقرطبي إنه قول الجميع إلا الحسن، فإنه، قال هو الباري تعالى لقوله عز وجل: (الرحمن، علم القرآن) [الرحمن: 1، 2] ويكون (ذو مرة) تمام الكلام).
اللباب: (يجوز أن تكون هذه الهاء للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو الظاهر، فيكون المفعول الثاني محذوفا أي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الوحي أي الموحى، ويجوز أن يكون للقرآن والوحي، فيكون المفعول الأول محذوفا أي علمه النبي.
الإمام الرازي: (الأولى أن يقال الضمير للنبي صلى الله عليه وسلم، تقديره علم محمدا شديد القوى جبريل، ويكون عائدا إلى صاحبكم، تقديره: ما ضل صاحبكم، وشديد القوى هو جبريل، أي قواه العلمية والعملية كلها شديدة، ثم في قوله: (شديد القوى) فوائد:
الأولى: أن مدح المعلم مدح للمتعلم، فلو قال: علمه جبريل ولم يصفه ما كان يحصل النبي صلى الله عليه وسلم فضيلة ظاهرة.
الثانية: أن فيه ردا عليهم بحيث قالوا: أساطير الأولين، فقال: لم يعلمه أحد من الناس علمه شديد القوى.
الثالثة: فيه الوثوق بقول جبريل صلى الله عليه وسلم، ففي قوله تعالى: (شديد القوى) جميع ما يوجب الوثوق لان قوة الادراك شرط الوثوق بقول القائل على ما عرف، وكذلك قوة الحفظ، فقال: (شديد القوى) ليجمع هذه الشرائط، فيصير كقوله تعالى: (ذي قوة عند ذي العرش مكين، مطاع ثم أمين) [التكوير: 20، 21].
الباب: (شديد القوى من كافة الصفة المشبهة لمرفوعها فهي غير حقيقة، هذا ما جزم