أسقف. وعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة في بناء المسجد، بنفسه الكريمة، كما في الصحيح أنه طفق ينقل معهم اللبن ترغيبا لهم في العمل " ويقول:
اللهم إن الأجر أجر الآخرة * فارعم الأنصار والمهاجرة (1) ويذكر أن هذا البيت لعبد الله بن رواحة، وعن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:
اللهم لا خير إلا خير الآخرة فارحمن المهاجرين والأنصار. وكان لا يقيم الشعر.
وروى محمد بن الحسن المخزومي عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت: " بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فقرب اللبن وما يحتاجون إليه، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع رداءه، فلما رأى ذلك المهاجرون الأولون والأنصار ألقوا أرديتهم وأكسيتهم وجعلوا يرتجزون ويعملون ويقولون:
لئن قعدنا والنبي يعمل * ذاك إذا للعمل المضلل (2) وروى البيهقي عن الحسن قال: لما بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد أعانه أصحابه وهو معهم يتناول اللبن حتى اغبر صدره. وكان عثمان بن مظعون رجلا متنطعا وكان يحمل اللبنة فيجافي بها ثوبه، فإذا وضعها نفض كمه ونظر إلى ثوبه، فإن أصابه شئ من التراب نفضه، فنظر إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأنشد يقول:
لا يستوي من يعمر المساجدا * يدأب فيها قائما وقاعدا * ومن يرى عن الغبار حائدا فسمعها عمار بن ياسر، فجعل يرتجز بها وهو لا يدري من يعني بها. فمر بعثمان فقال:
يابن سمية، ما أعرفني بمن تعرض، ومعه جريدة، فقال: لتكفن أو لأعترضن بها وجهك.
فسمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فغضب ثم قال: " إن عمار بن ياسر جلدة ما بين عيني وأنفي فإذا بلغ ذلك من المرء فقد أبلغ ". ووضع يده بين عينيه. فكف الناس عن عمار، ثم قالوا لعمار: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد غضب فيك، ونخاف أن ينزل فينا قرآن. فقال: أنا أرضيه كما غضب. فقال:
يا رسول الله ما لي ولأصحابك؟ قال: " مالك ولهم "؟ قال: يريدون قتلي، يحملون لبنة لبنة ويحملون علي لبنتين لبنتين. فأخذ بيده وطاف به في المسجد، وجعل يمسح وفرته بيديه من التراب ويقول: " يابن سمية، ليسوا بالذين يقتلونك، تقتلك الفئة الباغية، تدعوهم إلى الجنة ويدعونك إلى النار "، ويقول عمار: أعوذ بالله من الفتن.