للمؤمنين، وكان على خلق عظيم وخص الهوي دون الطلوع لعموم الاهتداء به في الدين والدنيا. أما الدنيوي فلما ذكر، وأما الديني فكما قال الخليل صلى الله عليه وسلم (لا أحب الآفلين) [الانعام: 76] وفيه لطيفة وهي أن القسم بالنجم يقتضي تعظيمه، وقد كان من المشركين من يعبده، فنبه بهويه على عدم صلاحيته للإلهية، وهويه أفوله.
السادس: في الكلام على قوله: (ما ضل صاحبكم وما غوى): [النجم: 2] السمين: (هذا جواب القسم).
الإمام الرازي والبرهان النسفي: أكثر المفسرين قالوا: لا نفرق بين الضلال والغي. وقال بعضهم: إن الضلال في مقابله الهدى، والغي في مقابله الرشد، قال تعالى: (وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا) [الأعراف: 146]، وتحقيق الفرق فيه أن الضلال أعم استعمالا في المواضع، تقول: ضل بعيري ورحلي ولا تقول: غوى، فالمراد من الضلال ألا يجد السالك إلى مقصده طريقا مستقيما. والغواية ألا يكون له إلى القصد طريق مستقيم، ويدل على هذا أنك تقول للمؤمن الذي ليس على طريق السداد: إن سعيه غير رشيد، ولا تقول: إنه ضال. فالضال كالكافر، والغاوي كالفاسق، فكأنه تعالى قال: (ما ضل) أي ما كفر، ولا أقل من ذلك، فما فسق، ويؤيد ما ذكرنا قوله تعالى: (فإن آنستم منهم رشدا):
[النساء: 6] الآية. أو يقال: الضلال كالعدم والغواية كالوجود الفاسد في الدرجة والمرتبة.
ويحتمل أن يكون معنى (ما ضل) أي ما جن، فإن المجنون ضال، وعلى هذا فهو كقوله تعالى (وما أنت بنعمة ربك بمجنون) [القلم: 2] الآية. فقوله (وإن لك لاجرا غير ممنون) [القلم: 3]، إشارة إلى أنه ما غوى بل هو رشيد مرشد إلى حضرة الله تعالى. وقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم: 4]، إشارة إلى قوله هنا: (وما ينطق عن الهوى) [النجم: 3]، فإن هذا خلق عظيم. وقد أشار قوله تعالى (ما ضل) إلى أنه على الطريق (وما غوى) إشارة إلى أنه على الطريق المستقيم (وما ينطق عن الهوى) إلى أنه مسلك الجادة، ركب من الطريق، فإنه إذا ركب متنه كان أسرع وصولا إلى المقصد، ويمكن أن يقال إن قوله (وما ينطق عن الهوى) دليل على أنه ما ضل وما غوى، وتقديره: كيف يضل أو يغوي وهو لا ينطق عن الهوى؟
وإنما يضل من يتبع هواه، ويدل عليه قوله تبارك وتعالى: (ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله) [ص: 26].
القرطبي: وقيل ما غوى ما خاب مما طلب قال الشاعر:
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما أي من خاب في طلبه لامه الناس، ثم يجوز أن يكون إخبارا عما بعد الوحي، ويجوز أن