قلت: قد تقدم نقله عن مجاهد، ونقله الماوردي عن الحسن أيضا. وقال الإمام الرازي:
(ومناسبة ذلك أن النجوم يهتدى بها فأقسم بها لما بينهما من المشابهة والمناسبة).
وقال ابن عباس في رواية عكرمة: أراد التي ترمى بها الشياطين إذا سقطت في آثارها عند استراق السمع. وهذا قول أبي الحسن الماوردي. وسببه أن الله تعالى لما أراد بعث محمد صلى الله عليه وسلم وسلم رسولا، كثر انقضاض الكواكب قبل مولده، فذعر أكثر العرب منها وفزعوا إلى كاهن، كان يخبرهم بالحوادث، فسألوه عنها فقال: انظروا إلى البروج الاثني عشر فإن انقض منها شئ فهو ذهاب الدنيا، وإن لم ينقض منها شئ فسيحدث في الدنيا أمر عظيم، فاستشعروا ذلك، فلما بعث النبي صلى الله عليه وسلم كان هو الامر العظيم الذي استشعروه، فأنزل الله تعالى: (والنجم إذا هوى)، هوى لهذه النبوة التي حدثت.
الإمام الرازي: (إن الرجوم تبعد الشياطين عن أهل السماء والأنبياء يبعدون الشياطين عن أهل الأرض.
ابن القيم: (وهذه الرواية عن ابن عباس أظهر الأقوال، ويكون الحق سبحانه وتعالى قد أقسم بهذه الآية الظاهرة المشاهدة التي نصبها آية وحفظا للوحي من استراق الشياطين له، على أن ما أتى به رسولا حق وصدق لا سبيل للشياطين ولا طريق لهم إليه، بل قد حرس بالنجم إذا هوى رصدا بين يدي الوحي وحرسا له، وعلى هذا فالارتباط بين المقسم به والمقسم عليه في غاية الظهور، وفي المقسم به دليل على المقسم عليه، فإن النجوم ترمى بها ا لشياطين آيات من آيات الله تعالى، يحفظ بها دينه ووحيه، وآياته المنزلة على رسله، بها ظهر دينه وشرعه، وأسماؤه وصفاته. وجعلت هذه النجوم المشاهدة خدما وحرسا لهذه ا لنجوم الهادية.
وليس بالبين تسمية القرآن عند نزوله بالنجم إذا هوى ولا تسمية نزوله هويا، ولا عهد في القرآن بذلك فيحمل هذا اللفظ عليه وليس بالبين أيضا تخصيص هذا القسم بالثريا وحدها إذا غابت، وليس بالبين القسم بالنجوم عند تناثرها يوم القيامة، بل هذا مما يقسم الرب عليه، ويدل عليه بآياته، فلا يجعله نفسه دليلا لعدم ظهوره للمخاطبين ولا سيما منكرو البعث. فإنه سبحانه وتعالى إنما يستدل بما لا يمكن جحده ولا المكابرة فيه، فأظهر الأقوال قول الحسن وابن كثير وهذا القول له اتجاه).
الخامس: في الكلام على (هوى):
السمين: (العامل في (إذا) إما فعل القسم المحذوف وتقديره: أقسم بالنجم وقت هويه). قال أبو البقاء وغيره: (وهو مشكل، فإن فعل القسم إنشاء، والانشاء حال. و (إذا) لما يستقبل من الزمان، فكيف يتلاقيان؟.