فإن قلت: إن الله تعالى خلقه نورا متنقلا من الأنبياء وفي صفاء النور ما يغني عن التطهير الحسي، ثم إن المرة الأولى لم تكن كافية في تطهير الباطن ويلزم عليه أنه بعد النبوة كان فيه شئ يحتاج إلى ذلك، وهو منزه عن أدران البشرية.
قلت: الغسلة الأولى لعين اليقين والثانية لعلم اليقين، والثالثة لحق اليقين.
الثامن: اختلف هل وقع له صلى الله عليه وسلم مع ذلك مشقة أم لا؟.
قال الحافظ: من غير مشقة وبه جزم ابن الجوزي فقال: شقة وما شق عليه. وقال ابن دحية: بمشقة عظيمة ولهذا انتقع لونه صلى الله عليه وسلم أي صار كلون النقع وهو الغبار، وهذه صفة ألوان الموتى.
قلت: رواية (انتقع لونه) حكاية، وقع في المرة الأولى وهو صغير في بني سعد. وأما ما وقع بعدها فلم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم تأثر لذلك. وقد تقدم في حديث أبي هريرة في المرة الثانية ما يؤيد ذلك فراجعه.
التاسع: وقد السؤال هل كان شق صدره الشريف صلى الله عليه وسلم بآلة أم لا: ولم يجب عنه أحد ولم أر من تعرض له بعد التتبع. وظاهر قوله: (فشق) أنه كان بآلة، ويدل لذلك قول الملك في حديث أبي ذر. (خط بطنه فخاطه) وفي لفظ عن عتبه بن عبد: (حصه فحاصه)، وفي حديث أنس (كانوا يرون أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم).
العاشر: في حديث أبي ذر (وأتيت بالسكينة كأنها برهرهة فوضعت في صدري) قال ابن الأنباري: (برهرهة) وهي السكينة المعوجة الرأس التي تسميها العامة (المنجل) بالجيم.
وقال الخطابي: عثرت على رواية وفيها: أنه شق عن قلبه قال: فدعي بسكينة كأنها درهمة بيضاء، فوقع لي أنه أراد بالبرهرهة سكينة بيضاء صافية الحديد تشبيها بالبرهرهة من النساء في بياضها وصفائها.
ثم قال ابن دحية والصواب في هذه اللفظة السكينة - أي بالتخفيف لأنه قال بعد شق البطن، ثم أتيت بالسكينة كأنها برهرهة فوضعت في صدري، فإنما عنى بها السكينة التي هي في أصل اللغة فعيلة من السكون وهي أكثر ما تأتي في القرآن العظيم بمعنى السكون والطمأنينة.
الحادي عشر: خص الطست بما ذكر لكونه أشهر آلات الغسل عرفا.
قال السهيلي رحمه الله تعالى: وفي ذكر الطست أيضا وحروف اسمه حكم تنظر إلى قوله تعالى: (طسم تلك آيات القرآن وكتاب مبين) [النمل 1].