فأنزل الله تعالى على نبيه: (قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن) [الجن: 1] وإنما أوحي إليه قول الجن.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله تعالى: وهذا الذي حكاه ابن عباس إنما هو في أول ما سمعت الجن قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وعلمت بحاله ولم يرهم، ثم أتاه داعي الجن مرة أخرى فذهب معهم وقرأ عليهم القرآن كما رواه مسلم عن ابن مسعود.
ويؤيد قول البيهقي أثر كعب السابق أول الباب.
قال البيهقي: وابن مسعود قد حفظ القصتين فرواهما.
وقال غيره: أثر ابن مسعود أثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ على الجن ورآهم، فكان ذلك مقدما على نفي ابن عباس.
وقد جاء عن ابن عباس ما يوافق ابن مسعود. فروى ابن جرير بسند جيد قوي عن ابن عباس في قوله تعالى: (وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن) [الأحقاف: 29] الآية. قال: كانوا تسعة نفر من أهل نصيبين فجعلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم رسلا إلى قومهم.
فهذا يدل على أن ابن عباس روى القصتين كابن مسعود.
الرابع: قال الحافظ: لا يعكر على قولنا حديث ابن عباس كان في أول البعثة، كما تقرر قوله إنهم رأوه يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فيحتمل أن يكون ذلك بعد فرض الصلوات ليلة الإسراء لأنه صلى الله عليه وسلم كان قبل الإسراء يصلي قطعا وكذلك أصحابه ولكن اختلف هل افترض قبل الخمس شئ من الصلاة أم لا فيصح هذا على قول من قال إن الفرض كان أولا صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها والحجة فيه قوله تعالى: (وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب) [ق: 39] ونحوها من الآيات. فيكون إطلاق صلاة الفجر في هذا الحديث باعتبار الزمان لا لكونها إحدى الخمس المفترضة ليلة الإسراء فتكون قصة الجن متقدمة من أول البعثة.
وقد أخرج الترمذي والطبري هذا الحديث بسياق سالم عن الإشكال الذي ذكرته من طريق أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كانت الجن تصعد إلى السماء يستمعون الوحي. وتقدم هو وأحاديث أخر تدل على أن هذه القصة وقعت أول البعثة وهو الذي تظافرت به الأخبار وهو المعتمد.
الخامس: في بيان غريب ما سبق.
الإعصار: قال في الصحاح ريح تثير الغبار ويرتفع إلى السماء كأنه عمود.
العكلي: بضم العين المهملة وسكون الكاف. الإداوة بالكسر: المطهرة.
أقيل: أنام وقت القيلولة وهي نصف النهار.