فلم يزالوا إلى تمام ثلاث سنين.
وبعث الله تعالى على صحيفتهم الأرضة فأكلت أو لحست ما في الصحيفة من عهد وميثاق - وفي رواية أنها لم تترك في الصحيفة اسما لله ألا لحسته وأبقت ما كان من شرك أو ظلم أو قطيعة.
وأطلع الله سبحانه وتعالى رسوله على ذلك فذكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمه أبي طالب فقال عمه أبو طالب: أربك أخبرك بهذا؟ قال: نعم قال: فوالله ما يدخل عليك أحد - وفي رواية قال: لا والثواقب ما كذبتني فانطلق بعصابة من بني هاشم وبني المطلب حتى أتوا المسجد وهو خائفون لقريش، فلما رأتهم قريش في جماعة أنكروا ذلك وظنوا أنهم خرجوا من شدة البلاء ليسلموا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برمته إلى قريش، فتكلم أبو طالب فقال: جرت أمور بيننا وبينكم لم نذكرها لكم، فأتوا بصحيفتكم التي فيها مواثيقكم فلعله أن يكون بيننا وبينكم صلح. وإنما قال ذلك أبو طالب خشية أن ينظروا في الصحيفة قبل أن يأتوا بها. فأتوا بصحيفتهم مجمعين لا يشكون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدفع إليهم، فوضعوها بينهم وقالوا لأبي طالب: قد آن لكم أن ترجعوا عما أحدثتم علينا وعلى أنفسكم. فقال أبو طالب: إنما أتيتكم في أمر هو نصف بيننا وبينكم: إن ابن أخي أخبرني ولم يكذبني أن هذه الصحيفة التي في أيديكم قد بعث الله تعالى عليها دابة فأبقت اسم الله وأكلت غدركم وتظاهركم علينا بالظلم - وفي رواية: فلم تترك فيها اسما لله تعالى إلا لحسته وتركت غدركم وتظاهركم علينا بالظلم فإن كان كما يقال فلا والله لا نسلمه حتى نموت من عند آخرنا، وإن كان الذي يقول باطلا دفعنا إليكم صاحبنا فقتلتم أو استحييتم. فقالوا: قد رضينا بالذي تقول. ففتحوا الصحيفة فوجدوا الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبر بخبرها قبل أن تفتح.
فلما رأت قريش صدق ما جاء به أبو طالب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: هذا سحر ابن أخيك. وزادهم ذلك بغيا وعدوانا. فقال أولئك النفر من بني هاشم وبني المطلب: إن أولانا بالكذب والسحر غيرنا، فإنا نعلم أن الذي اجتمعتم عليه من قطيعتنا أقرب إلى الجبت والسحر.
وقال أبو طالب: يا معشر قريش علام نحصر ونحبس وقد بان الأمر وتبين أنكم أولى بالظلم والقطيعة والإساءة. ثم دخل هو وأصحابه بين أستار الكعبة فقال: اللهم انصرنا على من ظلمنا وقطع أرحامنا واستحل ما يحرم عليه منا. ثم انصرفوا إلى الشعب.
وكان أبو طالب لما خاف دهماء العرب أن يركبوه مع قومه قال قصيدته اللامية التي تعوذ فيها بحرم مكة وبمكانه منها وتودد إلى أشراف قومه وهو على ذلك يخبرهم وغيرهم في ذلك من شعره أنه غير مسلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لشئ أبدا حتى يهلك دونه.