وقال أبو طالب فيما صنعت قريش من ذلك واجتمعوا له:
ألا بلغا عني على ذات بيننا، لؤيا وخصا من لؤي بني كعب ألم يعلموا أنا وجدنا محمدا * نبيا كموسى خط في أول الكتب وأن عليه في العباد محبة * ولا خير ممن خصه الله بالحب وأن الذي لصقتم في كتابكم * لكم كائن نحسا كراغية السقب أفيقوا أفيقوا قبل أن يحفر الثرى * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي ذنب ولا تتبعوا أمر الوشاة وتقطعوا * أو اصرنا بعد المودة والقرب وتستجلبوا حربا عوانا وربما * أمر على من ذاقه حلب الحرب فلسنا ورب البيت نسلم أحمدا * لعزاء من عض الزمان ولا كرب ولما تبن منا ومنكم سوالف * وأيد أثرت بالقساسية الشهب بمعترك ضنك ترى كسر القنا * به والنسور الطخم يعكفن كالشرب كأن مجال الخيل في حجراته * ومعمعة الأبطال معركة الحرب أليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضرب ولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي ما إن ينوب من النكب ولكننا أهل الحفائظ والنهى * إذا طار أرواح امكاة من الرعب (1) قال ابن إسحاق وغيره: فأقاموا على ذلك ثلاث سنين حتى جهدوا، ولا يصل إليهم شئ إلا سرا مستخفيا به من أراد صلتهم من قريش.
وقد كان أبو جهل لقي حكيم بن حزام معه غلام يحمل قمحا يريد بن عمته خديجة وهي مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الشعب، فتعلق به وقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟! لا تذهب أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة. فقال له أبو البختري ابن هشام بن الحارث.
وهلك كافرا -: طعام كان لعمته عنده أفتمنعه أن يأتيها بطعامها؟ خل سبيل الرجل. فأبى أبو جهل حتى نال كل واحد منهما من صاحبه فأخذ أبو البختري لحي يعير فضربه به فشجه ووطئه وطئا شديدا، وحمزة بن عبد المطلب قريب يرى ذلك وهم يكرهون أن يبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فيشمتوا بهم.
وكان أبو طالب في طول مدتهم في الشعب يأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيأتي فراشه كل ليلة حتى يراه من أراد به شرا أو غائلة فإذا نام أمر أحد بنيه أو إخوته أو بني عمه فاضطجع على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأتي بعض فرشهم فيرقد عليه.