وقال تعالى فيما سألوه من الروح الذي يحيا به البدن: (قل) لهم (الروح من أمر ربي) أي علمه لا تعلمونه. (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) بالنسبة إلى علمه تعالى.
وكلام ابن إسحاق يدل على أن هذه الآية مكية. ورواه الترمذي عن ابن عباس، ورجاله رجال مسلم.
وفي الصحيحين أن اليهود سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح بالمدينة فنزلت هذه الآية.
قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن يتعدد النزول ويحمل سكوته في المرة الثانية على توقع مزيد بيان في ذلك وإلا فما في الصحيح أصح.
قال ابن إسحاق: فلما جاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما عرفوا من الحق، وعرفوا صدقه فيما حدث وموقع نبوته فيما جاءهم من علم الغيب حين سألوه عنه، حال الحسد منهم له بينهم فقال قائلهم: (لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه) أي اجعلوه لغوا باطلا وهزؤا (لعلكم تغلبون) بذلك فإنكم إن ناظرتموه وخاصمتموه غلبكم بذلك.
فقال أبو جهل يوما، هو يهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وما أتى به من الحق: يا معشر قريش يزعم محمد إنما جنود الله الذين يعذبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر، وأنتم الناس عددا وكثرة، فيعجز كل مائة منكم عن رجل منهم؟
فأنزل الله تعالى في ذلك: (وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة) فلا يطاقون كما تتوهمون (وما جعلنا عدتهم إلا فتنة) ضلالا (للذين كفروا) بأن يقولوا: لم كانوا تسعة عشر (ليستيقن الذين أوتوا الكتاب) أي اليهود صدق النبي صلى الله عليه وسلم في كونهم تسعة عشر الموافق لما في كتابهم (ويزداد الذين آمنوا) من أهل الكتاب (إيمانا) تصديقا لموافقة ما أتى به النبي صلى الله عليه وسلم لما في كتابهم. (ولا يرتاب) يشك (الذين أوتو الكتاب والمؤمنون) من غيرهم في عدد الملائكة (وليقول الذين في قلوبهم مرض) شك بالمدينة (والكافرون) بمكة (ماذا أراد الله بهذا) العدد (مثلا) سموه مثلا لغرابته وأغرب حالا.
(كذلك) أي مثل إضلال منكر هذا العدد وهدى مصدقه (يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء، وما يعلم جنود ربك) أي الملائكة في قوتهم وأعوانهم (إلا هو) سبحانه وتعالى.
تنبيه في بيان غريب ما سبق:
النضر: بنون وضاد معجمة.
مكث: مرفوع فاعل أحزن.