قالوا: فما نقول يا أبا عبد شمس؟
قال: والله إن لقوله حلاوة وإن عليه طلاوة وإن أصله لمغدق وإن فرعه لمثمر وما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا وأنا أعرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه أن تقولوا ساحر، فما يقول سحر يفرق بين المرء وابنه وبين المرء وأخيه وبين المرء وزوجه وبين المرء وعشيرته.
فتفرقوا عنه بذلك، وجعلوا يجلسون يسبل الناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه وذكروه لهم.
وأنزل الله تعالى في الوليد وفي ذلك من قوله: (ذرني) أي اتركني. وهي كلمة يقولها المغتاظ إذا اشتد غيظه وغضبه وكره أن يشفع لمن اغتاط عليه. (ومن خلقت وحيدا) أي منفردا بلا أهل ولا مال (وجعلت له مالا ممدودا) واسعا متصلا من الزروع والضروع والتجارة. (وبنين) عشرة أو أكثر (شهودا) يشهدون المحافل وتسمع شهادتهم (ومهدت) بسطت (له) في العيش والعمر والولد (تمهيدا. ثم يطمع أن أزيد كلا) لا أزيده على ذلك (إنه كان لآياتنا) أي القرآن (عنيدا) معاندا (سأرهقه) أكلفه (صعودا) مشقة من العذاب أو جبلا من نار يصعد فيه ثم يهوى أبدا (إنه فكر) فيما بقوله في القرآن الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وقدر في نفسه ذلك. (فقتل) لعن وعذب (كيف قدر) على أي حال كان تقديره. (ثم قتل كيف قدر) تكرير للمبالغة وثم للدلالة على أن الثانية أبلغ من الأولى وفيما يقدر على الأصل. (ثم نظر) في وجوه قومه أو فيما يقدح به في القرآن. (ثم عبس) قبض وجهه وكلحه ضيقا بما يقول (وبسر) زاد في القبض والكلوح ثم (ثم أدبر) عن الإيمان (واستكبر) تكبر عن اتباع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال فيما جاء به: (إن) ما (هذا إلا سحر يؤثر) ينتقل عن السحرة (إن) ما (هذا إلا قول البشر). كما قالوا: إنما يعلمه بشر (سأصليه) أدخله (سقر) جهنم (وما أدرك ما سقر) تعظيم لشأنها (لا تبقي ولا تذر) شيئا من لحم ولا عصب إلا أكلته ثم يعود كما كان (لواحة للبشر) محرقة لظاهر الجلد.
قال ابن إسحاق: وأنزل الله تعالى في النفر الذين كانوا معه يسفون القول في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيما جاء به: (الذين جعلوا القرآن عضين) أصنافا، وواحدة العظين عضة (فوربك لنسألنهم أجمعين) سؤال توبيخ (عما كانوا يعلمون).
قال ابن إسحاق: وصدرت العرب من ذلك الموسم بأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانتشر ذكره في بلاد العرب كلها.