الباب الحادي عشر في امتحانهم إياه بأصياء لا يعرفها إلا نبي قال ابن إسحاق: إن النضر بن الحارث، وكان من شياطين قريش، وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. والصواب أنه هلك ببدر وهو مشرك على يدي علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. فقال: يا معشر قريش والله لقد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحلية بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا أرضا كم فيكم وأصدقكم حديثا وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم الشيب في صدغيه وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر. ولا والله ما هو بساحر، وقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم. وقلتم: كاهن، لا والله ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة تخالجهم وسمعنا سجعهم، وقلتم: شاعر، لا والله ما هو بشاعر، لقد روينا الشعر وسمعنا أصنافه كلها هزجه ورجزه. وقلتم:
مجنون. لا والله ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه، يا معشر قريش انظروا ما في شأنكم فإنه والله لقد نزل بكم أمر عظيم.
وكان النظر قد قدم الحيرة وتعلم بها أحاديث ملوك الفرس، فكان إذا جلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجلسا فذكر فيه بالله وحذر قومه ما أصاب من قبلهم من الأمم من نقمة الله عز وجل، خلفه في مجلسه إذا قام ثم قال: أنا والله يا معشر قريش أحسن حديثا منه، فهلم إلي فأنا أحدثكم أحسن من حديثه. ثم يحدثهم عن ملوك فارس ثم يقول: بماذا محمد أحسن حديثا مني؟ وما أحاديثه إلا أساطير الأولين اكتتبها كما كتبتها.
قال ابن هشام: وهو الذي قال فيما بلغني: سأنزل مثل ما أنزل الله.
قال ابن إسحاق: وكان ابن عباس يقول فيما بلغني: إنه أنزل فيه ثماني آيات من القرآن: قوله تعالى: (إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين) [القلم 15] وكل ما ذكره فيه الأساطير من القرآن.
فلما قال لهم ذلك النظر بن الحارث بعثوه وبعثوا معه عقبة بن أبي معيط إلى أحبار يهود المدينة وقالوا لهما: اسألاهم عن محمد وصفا لهم صفته وأخبراهم بقوله، فإنهم أهل الكتاب الأول، وعندهم علم ما ليس عندنا من علم الأنبياء.
فخرجا حتى قدما المدينة فسألا أحبار يهود عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ووصفا لهم أمره وأخبراهم ببعض قوله، وقالا: إنكم أهل التوراة وقد أتيناكم لتخبروا عن صاحبنا هذا. فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل وإن لم يفعل فالرجل (متقول) فروا فيه رأيكم: سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجيب، واسألوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها ما كان