وقال الإمام العلامة شمس الدين الهروي في شرح مسلم: وفي هذه الآية دليل على أن الحادث هو الملأ والكثرة، وأنهم كانوا في الأول يقعدون من السماء مقاعد لاستراق السمع ويجدون بعض المقاعد غير خالية من الحرس والشهب، والآن ملئت المقاعد كلها ولم يبق مقعد من المقاعد خاليا. وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى ذكر فائدتين في خلق الكواكب في قوله: (ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين) [الملك 5] وفي قوله تعالى: (إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب وحفظا من كل شيطان مارد).
وروى عبد الرزاق في تفسيره عن معمر قال: قلت للزهري: أو كان يرمى به - أي النجم - في الجاهلية؟ قال نعم. قلت: يقول الله عز وجل (وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا) قال: غلظت وشدد أمرها حين بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقي: وهذا يوافق ظاهر القرآن لأنه خبرا عن الجن: (وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا): وأخبرت الجن أنه زيد في حراسة السماء وشهبها حتى امتلأت منها ومنهم. وفي ذلك دليل على أنه كان قبل ذلك فيها حراس وشهب ومعدة معهم.
واستدلوا أيضا بما رواه مسلم عن ابن عباس قال: بينما النبي صلى الله عليه وسلم جالس في نفر من الأنصار إذ رمي بنجم فاستنار، فقال صلى الله عليه وسلم: (ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية إذا رأيتموه؟) وتقدم بتمامه.
واستدلوا أيضا بما جاء في أشعار العرب القديمة من ذكر ذلك، كأوس بن حجر وعوف بن الجذع وبشر بن أبي خازم.
ورجح جماعة الثاني وهو الذي صح عن ابن عباس وبه قال أبي بن كعب والشعبي ونافع بن جبير وصححه أبو عثمان الجاحظ ومال إليه أبن الجوزي وغيره، واستدلوا بأن ذلك ظاهر الأخبار لإنكار الشياطين للرمي وطلبهم بسببه ولهذا كانت الكهانة فاشية في العرب ومرجوعا إليها حكمهم، حتى قطع سببها بأن حيل بين الشياطين وبين استراق السمع.
وجمع المحققون بين الأخبار فقال القرطبي: يجمع بأنها لم يكن يرمى بها قبل المبعث رميا يقطع الشياطين عن استراق السمع، ولكن ترمى تارة ولا ترمى أخرى، وترمى من جانب ولا ترمى من جانب، ولا ترمى من جميع الجوانب. ولعل الإشارة إلى ذلك بقوله تعالى (ويقذفون من كل جانب دحورا).
وقال في موضع آخر: لا يبعد أن يقال: انقضاض الكواكب كان في قديم الزمان، ولكنه لم يكن رجوما للشياطين ثم صار رجوما حين ولد النبي صلى الله عليه وسلم انتهى وفي هذا نظر.