وروى هشام بن محمد بن السائب عن عدي بن حاتم (1) قال: كان لي عسيف من كلب يقال له حابس بن دغنة فبينا أنا ذات يوم إذا به مروع الفؤاد فقال: دونك إبلك. فقلت: ما هاجك؟ فقال بينا أنا بالوادي إذا أنا بشيخ من شعب جبل تجاهي كأن رأسه رخمة فانحدر عما تزل عنه العقاب وهو مترسل غير منزعج حتى استقرت قدماه في الحضيض وأنا أعظم ما أرى فقال.
يا حابس بن دغنة يا حابس * لا تعرضن لفعلك الوساوس هذا سنا النور بكف قابس * فاجنح إلى النور ولا تعابس قال: ثم غاب فروحت إبلي وسرحتها إلى غير ذلك الوادي، ثم اضطجعت فإذا راكب قد ركضني فاستيقظت فإذا هو صاحبي وهو يقول:
يا حابس اشمع ما أقول ترشد * ليس ضلول حائز كمهتد لا تتركن نهج الطريق الأقصد * قد نسخ الدين بدين أحمد قال: فأغمي علي ثم أفقت.
وروى ابن دريد في الأخبار المنثورة عن ابن الكلبي قال: كان خنافر بن التوأم كاهنا، فنزل واديا مخصبا وكان له رئي في الجاهلية ففقده في الإسلام قال: فبينا أنا ليلة في الوادي إذ هوى علي هوي العقاب قال خنافر: فقلت: شصار؟ قال: اسمع أقل. قلت: قل أسمع. قال: عه تغنم لكل ذي أمد نهاية، وكل ذي ابتداء إلى غاية. قلت: أجل. قال: كل دولة إلى أجل، ثم يتاح لها حول، وقد انتسخت النحل ورجعت إلى حقائقها الملل، إني آنست بالشام نفرا من آل العوام، حكاما على الحكام، يرددون ذا رونق من الكلام، ليس بالشعر المؤلف. ولا السجع المتكلف، فأصغيت فزجرت * فعاودت فظلعت، فقلت: بم تهيمنون، وإلام تعتزون، فقالوا خطاب كبار. جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شصار، لأصدق الأخبار، وأسلك واضح الأخيار، تنج من أوار النار.
فقلت: وما هذا الكلام؟ قالوا: فرقان بين الكفر والإيمان. أتى به رسول من مضر، ثم من أهل المدر، ابتعث فظهر. فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجا قد دثر، فيه مواعظ لمن اعتبر.