فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا. فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء. انتهى (1).
ففي قوله (فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها وربما ألقاها قبل أن يدركه) إلى آخره، ما يجمع بين القولين السابقين.
وأما قول السهيلي رحمه الله تعالى: لولا أن الشهاب قد يخطئ الشيطان لم يتعرض له، أي الاستماع، مرة أخرى. فجوابه - كما أشار إليه الحافظ في الفتح - أنه يجوز أن يقع التعرض مع تحقق الإصابة لرجاء اختطاف الكلمة وإلقائها قبل إصابة الشهاب ثم لا يبالي المختطف بالإصابة لما طبع عليه من الشر.
وقال أبو عثمان الجاحظ (2): فإن قيل: كيف تعرض الجن لإحراق أنفسها بسبب سماع خبر بعد أن صار ذلك معلوما لهم؟ فالجواب: إن الله تعالى ينسيهم ذلك حتى تعظم المحنة.
الثاني: قال بعضهم: ظاهر القرآن والأحاديث يقتضي أن الرجم بالنجوم نفسها. وقال القرطبي: ليست الشهب التي يرجم بها من الكواكب الثوابت يدل على ذلك رؤية حركاتها، والثابتة لا تجرى ولا ترى حركاتها لبعدها. وقال في موضع آخر: قال العلماء نحن نرى انقضاض الكواكب فيجوز أن يكون ذلك كما نرى ثم يصير نارا إذا أدرك الشيطان، ويجوز أن يقال يرمون بشعلة من نار من الهواء فيخيل إلينا أنه نجم يرى.
وقال في موضع آخر: الكواكب الراجمة هي التي يراها الناس تنقض. قال النقاش ومكي: وليست بالكواكب الجارية في السماء لأن تلك لا ترى حركتها، وهذا الراجمة ترى حركتها لأنها قريبة منا.
وقال الإمام أبو عبد الله الحليمي في منهاجه: ليس فيما نتلوه من كلام ربنا عز وجل أن الشيطان يرمى بالكواكب أو النجوم. ثم أطال الكلام في تقرير أن الرمي إنما هو بالشهب وهي شعل النار، وجعل المصابيح كناية عن الشعل لا النجوم.
وقال الإمام شهاب الدين أبو شامة رحمه الله تعالى: الشهاب في اللغة اسم للشعلة الساطعة من النار ثم أطلق على النجم المرصد لرجم الشياطين المسترقين للسمع لأنها لما عينت لرجم الشياطين وهي الشعل من النار، أطلق عليها لفظ الشهب لهذه الملابسة والمجاورة مجازا.