يسجدان إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة في أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة. ثم رجع وأمر بطعام كثير فصنع ثم أرسل إليهم فقال: إني صنعت لكم طعاما يا معشر قريش وإني أحب أن تحضروا كلكم صغيركم وكبيركم وحركم وعبدكم. فقال رجل: يا بحيرا إن لك اليوم لشأنا ما كنت تصنع هذا فيما مضى وقد كنا نمر بك كثيرا فما شأنك؟ فقال بحيرا: صدقت قد كان ما تقول، ولكنكم ضيف وقد أحببت أن أكرمكم وأصنع لكم طعاما تأكلون منه. فاجتمعوا إليه، فلما أتاهم به وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم راح مع من يرعى الإبل. وفي رواية: فتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين القوم لحداثة سنه في رحال القوم، فلما نظر بحيرا لم ير الصفة التي يعرف ويجد عنده، فقال: يا مشعر قريش لا يتخلف أحد منكم عن طعامي هذا قالوا: ما تخلف عنك أحد يأتيك إلا غلام هو أحدث القوم سنا تخلف في رحالنا. فقال: لا تفعلوا ادعوه فليحضر هذا الطعام. فقام الحارث بن عبد المطلب فأتى به، فلما أقبل وعليه غمامة تظله فقالوا: انظروا إليه عليه غمامة تظله. فلما دنا من القوم وجدهم سبقوه إلى فئ الشجرة فلما جلس مال فئ الشجرة عليه، فقال: انظروا ما فئ الشجرة عليه هذا نبي هذه الأمة الذي يرسله الله إلى الناس كافة.
وفي (الزهر) نقلا عن محمد بن عمر الأسلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فارق تلك الشجرة التي كان جالسا تحتها وقام انفلقت من أصلها حين فارقها وجعل يلحظه لحظا شديدا ينظر إلى أشياء من بدنه قد كان يجدها عنده في صفته وقال لقومه: هذه الحمرة التي في عينيه تأتي وتذهب أو لا تفارقه؟ قالوا: ما رأيناها فارقته قط. فأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا غلام أسألك باللات والعزى إلا ما أخبرتني عما أسألك عنه. وإنما قال له بحيرا ذلك لأنه سمع قومه يحلفون بهما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تسألني باللات والعزى فوالله ما أبغضت وبغضهما شيئا. فقال له بحيرا: فبالله إلا ما أخبرتني عما أسألك. فقال: سلني عما بدالك. فجعل يسأله عن أشياء من حال نومه ويقظته وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبره فوافق ذلك ما عند بحيرا من صفته، ثم نظر إلى ظهره فرأى خاتم النبوة بين كتفيه على موضعه من صفته عنده فلما فرغ منه أقبل على عمه أبي طالب فقال: ما هذا الغلام منك؟ قال: ابني. فقال بحيرا: ما هو بابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون له أب حي. قال: فإنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه؟ قال: مات وأمه حامل به. قال: صدقت ارجع بابن أخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فوالله لئن رأوه وعرفوا منه ما عرفت ليبغنه شرا فإنه كائن لابن أخيك شأن. فأسرع به إلى بلاده ولا تذهب به إلى الروم فإن الروم رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه (1).