فجعلنا نعجب من ذلك، ثم أقمنا دهرا طويلا ونسينا ذلك، فهلك قوم وحدث آخرون وصرت رجلا كبيرا، فإذا مثل ذلك الصياح بعينة: يا أهل يثرب قد خرج محمد وتنبأ وجاءه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى عليه الصلاة والسلام. فلم أنشب أن سمعت أن بمكة رجلا خرج يدعي النبوة، وخرج من قومنا وتأخر وأسلم فتيان منا أحداث ولم يقض لي أن أسلم، حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة (1).
أنشب: أي لم ألبث.
وروى أبو نعيم عن أبي سعيد مالك بن سنان الخدري (2) بالخاء المعجمة والدال المهملة - رضي الله تعالى عنه - قال: سمعت أبي يقول: جئت بني عبد الأشهل يوما لأتحدث فيهم، فسمعت يوشع اليهودي يقول: أظل خروج نبي يقال له أحمد يخرج من الحرم. فقيل له: ما صفته؟ قال: رجل ليس بالقصير ولا بالطويل، في عينيه حمرة يلبس الشملة ويركب الحمار، سيفه على عاتقه، وهذه البلد مهاجره. فرجعت إلى قومي بني خدرة وأنا أتعجب مما قال، فأسمع رجلا منا يقول: ويوشع يقول هذا وحده؟ كل يهود يثرب تقول هذا. فخرجت حتى جئت بني قريظة فأجد جمعا فتذاكروا النبي صلى الله عليه وسلم فقال الزبير بن باطا: قد طلع الكوكب الأحمر الذي لم يطل إلا لخروج نبي وظهوره، ولم يبق من الأنبياء أحد إلا أحمد وهذه مهاجره.
أظل: قرب.
وروى ابن عساكر عن كعب - رحمه الله تعالى - قال: كان إسلام أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - سببه وحي من السماء وذلك أنه كان تاجرا بالشام فرأى رؤيا فقصها على بحيرى الراهب فقال له: من أين أنت؟ قال: من مكة. قال: من أيها؟ قال: من قريش. قال:
فأي شئ أنت؟ قال: تاجر. قال: صدق الله تعالى رؤياك، فإنه يبعث نبي من قومك تكون وزيره في حياته وخليفته بعد موته. فأسرها أبو بكر حتى بعث النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد ما الدليل على ما تدعي؟ قال: الرؤيا التي رأيت بالشام. فعانقه وقبل بين عينيه وقال: أشهد أنك رسول الله.