الباب العاشر في حزن إبليس وحجبه من السماوات وما سمع من الهواتف لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم نقل السهيلي وأبو الربيع وغيرهما عن تفسير الحافظ بقي بن مخلد (1) رحمه الله تعالى أن إبليس رن أربع رنات: رنة حين لعن، ورنة حين أهبط، ورنة حين ولد النبي صلى الله عليه وسلم، ورنة حين أنزلت فاتحة الكتاب.
رن: صوت بحزن وكآبة.
وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة رحمه الله تعالى قال: قال إبليس لما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد ولد الليلة ولد يفسد علينا أمرنا فقال له جنوده: لو ذهبت إليه فخبلته.
فلما دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الله جبريل فركضه برجله ركضة فوقع بعدن.
وروى الزبير بن بكار وابن عساكر عن معروف بن حزبوذ رحمه الله تعالى قال: كان إبليس يخترق السماوات السبع. فلما ولد عيسى حجب من ثلاث سماوات، وكان يصل إلى أربع فلما ولد النبي صلى الله عليه وسلم حجب من السبع.
وروى الخرائطي وابن عساكر عن عروة بن الزبير رحمه الله تعالى أن نفرا من قريش منهم ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل وعبيد الله بن جحش وعثمان بن الحويرث كانوا عند صنم يجتمعون إليه فلما دخلوا يوما فرأوه مكبوبا على وجهه، فأنكروا ذلك فأخذوا فردوه إلى حاله فلم يلبث أن انقلب انقلابا عنيفا فردوه إلى حاله، فانقلب الثالثة فقال عثمان: إن هذا لأمر حدث. وذلك في الليلة التي ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم. فجعل عثمان بن الحويرث يقول:
أيا صنم العيد الذي صف حوله * صناديد وفد من بعيد ومن قرب ينكس مقلوبا فما ذاك قل لنا * أذاك سفية أم تنكس للعتب فإن كان من ذنب أسأنا فإننا * نبوء بإقرار ونلوي على الذنب وإن كنت مغلوبا تنكست صاغرا * فما أنت في الأصنام بالسيد الرب قال: فأخذوا الصنم فردوه إلى حاله فلما استوى هتف بهم هاتف من جوف الصنم بصوت جهير وهو يقول: