وقال السدي: صلى علي الغداة [يوما] ثم لبث في مجلسه حتى ارتفعت الشمس قيد رمح [و] كان عليه كآبة ثم قال:
لقد رأيت نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) فما رأيت أحدا يشبههم والله إن كانوا ليصبحون شعثا غبرا صفرا بين أعينهم كركب المعزى قد باتوا لله سجدا وقياما يتلون كتاب الله يراوحون بين أقدامهم وجباههم إذا ذكروا الله تعالى مادوا كما يميد الشجر يوم الريح وهملت أعينهم حتى تبل ثيابهم والله لقد كانوا غير غافلين عن ربهم!!
ثم نهض [عليه السلام]: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يكثر علمك وعظم حلمك وأن تباهي الناس بعبادة ربك فإن أحسنت حمدت الله وإن أسأت استغفرت [الله].
ولا خير في الدنيا [إلا] لاحد رجلين: رجل [اقترف] ذنبا فهو يتدارك ذلك بتوبة ورجل يسارع في الخيرات فإنه لا يقل عمل في تقوى [وكيف يقل ما يتقبل] (3).
وقال بكر بن خليفة: قال علي بن أبي طالب [عليه السلام]: أيها الناس إنكم والله لو حننتم حنين الواله العجلان، وجأرتم جار متبتل الرهبان ثم خرجتم عن الأموال والأولاد التماس القربة إليه في ارتفاع درجة عنده أو غفران سيئة أحصاها كتبه عليكم (4) لكان قليلا فيما أرجو لكم من جزيل ثوابه وأتخوف عليكم من ألم عقابه، والله لو سالت عيونكم رهبة منه ورغبة إليه ثم عمرتم ما الدنيا باقية ولم تبقوا شيئا من جهدكم بالشكر لأنعمه العظام بهدايتكم للاسلام لما قمتم بشكر ما أنعم به عليكم.