الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٩٨
وسيف الله المسلول، مفرق الكتائب (1)،
(١) لا خلاف بين الأمة أن عليا (عليه السلام) كان أشجع الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأعظمهم بلاء في الحروب و قد تعجبت وتتعجب الملائكة من حملاته. وبسيفه المسلول قام الدين واعتدل، واضمحل الكفر وبطل، وهو الذي نزلت فيه آيات كثيرة سنشير إليها، كمثل آية (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغآء مرضات الله) البقرة: ٢٠٧، وسنشير إليها في فصل آخر تفصيلا. وهناك أحاديث كثيرة أيضا في حقه (عليه السلام) من قبل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنشير إلى بعض منها، كقوله (صلى الله عليه وآله) عندما صعد المنبر فذكر قولا كثيرا ثم قال: أين علي بن أبي طالب؟ فوثب إليه فقال: ها أنا ذا يا رسول الله، فضمه إلى صدره وقبل بين عينيه وقال بأعلى صوته:
معاشر المسلمين، هذا أخي وابن عمي وختني... هذا أسد الله وسيفه في أرضه أعدائه... (ذخائر العقبى:
٩٢ و ٩٩، الإمامة والسياسة لابن قتيبة: ٩٧. الرياض النضرة: ٢ / ٢٢٥، الإصابة لابن حجر: ٣ / ٢٨١ مثله. وقال (صلى الله عليه وآله): علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره، ومخذول من خذله. (مستدرك الحاكم:
٣ / ١٢٩، وكنز العمال: ٦ / ١٥٣). وهو الذي أقامه (صلى الله عليه وآله) مقامه بالنهار، وأنامه منامه بالليل. (انظر المصادر السابقة وكنز الحقائق: ص ١٠٣، والبخاري: ٤ / ٢١٠).
وهو الذي لم يسبقه أحد في الجهاد كما وصفوه، فهو ابن جلاها وطلاع ثناياها، لم يسبقه سابق، ولم يلحقه لاحق، كان رابط الجأش، قوي البأس، سيف الله، وكاشف الكرب عن وجه رسول الله (صلى الله عليه وآله).
فغزواته مشهورة من بدر، والتي كان فيها الامتحان الأكبر لكثرة المشركين وقلة المسلمين، وقريش تحدتهم بالبراز بخيلها و خيلائها، واقترحت بروز الأكفاء والأقران، وقد برز لها بعض المسلمين ولكنه (صلى الله عليه وآله) منعهم وقال: إن القوم طلبوا الأكفاء. ثم أمر عليا (عليه السلام) بالبروز إليهم، فبارزه الوليد بن عتبة وكان شجاعا جريئا فقتله، وقتل أيضا العاص بن سعيد بن العاص، وكان هولا عظيما، وقتل حنظلة بن أبي سفيان، وطعن ابن عدي ونوفل بن خويلد وهو من شياطين قريش. (انظر المصادر السابقة).
فشجاعته (عليه السلام) يعرفها النصارى كما يعرفها المسلمون، والبعداء كما يعرفها الأقربون. ولذا قال ابن أبي الحديد في شرحه للنهج: أما الشجاعة فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله ومحا اسم من يأتي بعده، ومقاماته في الحرب مشهورة، يضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، وهو الشجاع الذي ما فر قط، ولا ارتاع من كتيبة، ولا بارز أحدا إلا قتله، ولا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأولى إلى ثانية. وفي الحديث:
كانت ضرباته وترا.... (شرح النهج لابن أبي الحديد: ١ / ٢٠).
وهو الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) على لسان جبرائيل (عليه السلام) في يوم أحد، وقيل: يوم بدر، وسمعه المسلمون كافة:
لا سيف إلا ذو الفقار * ولا فتى إلا علي وقال فيه (صلى الله عليه وآله) لقتله عمرو بن عبد ود العامري: ضربة علي يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين. ولذا وصفه الإمام الحسن (عليه السلام) بعد استشهاده (عليه السلام) بقوله: لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم....
وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يبعثه بالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله، لا ينصرف حتى يفتح له. (انظر ذخائر العقبى: ٧٢ و ٧٣، خصائص النسائي: ٤٦، الطبقات لابن سعد: ٣ / ٣٨، مسند أحمد: ١ / ١٩٩ الفضائل لأحمد: ١٠١٤، ابن حبان: ٥٤٥، حلية الأولياء لأبي نعيم: ١ / ٦٥، أخبار إصبهان: ١ / ٤٥، تاريخ ابن عساكر: ١٢ / ٢١٥).
وكان المشركون إذا أبصروا عليا في الحرب عهد بعضهم إلى بعض. وهو الذي ركز الراية في أصل الحصن يوم الأحزاب، وهو الذي قال فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) في غزوة الحديبية في حديث طويل:... لتنتهين يا معشر قريش، أو ليبعثن الله عليكم رجلا امتحن الله قلبه بالإيمان يضرب رقابكم على الدين. فقال بعضهم: من هو يا رسول الله؟ قال: خاصف النعل في الحجرة، فتبادروا إليها ليعرفوا من هو، فإذا هو أمير المؤمنين (عليه السلام). (سنن الترمذي: ٥ / ٢٩٨ ح ٣٧٩٩، الفضائل لأحمد: ٢ / ٦٤٩، مسند أحمد: ١ / ١٥٥، المستدرك للحاكم: ٢ / ١٣٧).
وهو الذي قال فيه (صلى الله عليه وآله): إن بينكم من يقاتل على التأويل، كما قاتلت على التنزيل. (جمع الفوائد:
١ / ٣٢٤، مجمع الزوائد: ٥ / ١٨٦، خصائص النسائي: ٤٠ و ١٦٦). ولذا قال الإمام الشافعي: أخذ المسلمون السيرة في قتال المشركين من رسول الله (صلى الله عليه وآله). وأخذوا السيرة في قتال البغاة من علي (عليه السلام).
(شرح النهج لابن أبي الحديد: ٩ / ٢٣١ نقلا عن كتاب الأم للشافعي: ٤ / ٢٣٣ باب الخلاف في قتال أهل البغي).
ولسنا بصدد بيان ما نزل من القرآن الكريم في حقه (عليه السلام)، وبيان ما قاله (صلى الله عليه وآله) في شجاعته. ومن أراد فليراجع المصادر التاريخية بدء ببدر وأحد وخيبر وحنين. فهو (عليه السلام) الذي تصدى لصناديد قريش وسادات بني أميةوقتلهم.
انظر مناقب علي بن أبي طالبلابن المغازلي: ٦٥ ح ٩٣ و ٨٤ ح ١٢٠ و ١٢٥ و ص ١٠٤ ح ١٤٦ و ١٤٧، المناقبللخوارزمي الحنفي: ٧٢ و ١٠٦ و ١١١ و ٢٣٥، تاريخ ابن عساكر: ١ / ٧٤ و ٧٦ و ١٢١ ح ١٢١ - ١٢٤ و ١٢٦، و: ٢ / ٢٥٧ ح ٧٧٣ و ٧٧٤ و ٤٧٦ ح ٩٩٦ و ٩٩٧، كفاية الطالب للكنجي الشافعي: ١٨٧ و ٢٢١ ط الحيدرية، ينابيع المودةللقندوزي الحنفي ٧٢ و ٨١ و ١٨٥ و ٢٣٤ و ٢٥٠ و ٢٨٤ ط إسلامبول، فتح الملك العلي: ٥٧ ط الحيدرية، إسعاف الراغبين بهامش نور الأبصار ص ١٥٨ ط السعيدية، الصواعق المحرقة: ١٢٣ ط الحيدرية.
وانظر أيضا مطالب السؤول لابن طلحة الشافعي: ٣١ ط طهران، ميزان الاعتدال للذهبي: ١ / ١١٠، و: ٣ / ٣٢٤ ط بيروت.
الجامع الصغير للسيوطي الشافعي: ٢ / ١٤٠ ط مصطفى محمد، منتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد: ٥ / ٢٩ و ٣٠ و ٣٣ و ٣٤، إحقاق الحق: ٤ / ٢٣٤، و: ٦ / ٦ و ١١ و ٢٩ ط طهران، فرائد السطمين: ١ / ١٥٧ و ١٤٣ ح ١١٩ و ١٥١، المعجم الصغير للطبراني: ٢ / ٨٨، نظم درر السمطين للزرندي الحنفي: ١١٤، مجمع الزوائد: ٩ / ١٢١، و: ٦ / ١٠٢ و ١٢٥، أسد الغابة: ١ / ٦٩، و: ٣ / ١١٦ و: ٥ / ٢٨٧، فضائل الخمسة: ٢ / ١٠٠، الرياض النضرة: ٢ / ٢٠٤ و ٢٣٤، ذخائر العقبى: ٥٦ و ٦٨ و ٧٠، السيرة الحلبية لبرهان الدين الحلبي الشافعي: ١ / ٣٨٠، شرح النهج لابن أبي الحديد: ٣ / ٢٦١، و: ٧ / ٢١٩ و ١٠ / ١٨٢ و ١٤ / ٢٥٠ و ٢٥٢، و: ١٣ / ٢٢٨ تحقيق محمد أبو الفضل، الاستيعاب لابن عبد البر مطبوع بهامش الإصابة: ٤ / ١٧٠، فرائد السمطينللحمويني: ١ / ٣٩ و ٤٠ و ١٥٦ و ٢٣٤.
وانظر كذلك لسان الميزان لابن حجر العسقلاني الشافعي: ٢ / ٤١٤، البيان والتعريف لابن حمزة الحنفي: ٢ / ١١٠، درر بحر المناقب لابن حسنويه الحنفي: ٩٩ مخطوط، الأربعون لأبي الفوارس: ٤٩ مخطوط، رسالة النقض على العثمانية للإسكافي: ٢٩٠، أرجح المطالب للشيخ عبيد الله الحنفي: ٤٤٧، مفتاح النجا للبدخشي: ٢١ مخطوط، انتهاء الأفهام: ٧٤، الإصابة: ٤ / ١٧١، كشف اليقين: ٨٤، الإرشاد للشيخ المفيد: ٤١ و ٤٣ و ٥٧، مسند أحمد بن حنبل: ١ / ١٩٩، و: ٣ / ٨٢، ربيع الأبرار للزمخشري:
١ / ٨٣٣، شرح ديوان أمير المؤمنين (عليه السلام) للمير حسين الميبدي: ١٧٤ مخطوط، معارج النبوة للكاشفي الركن الرابع: ١٠٧ ط لكنهو، مدارج النبوة للدهلوي: ١٦٨ ط لكنهو، دلائل الصدق: ٢ / ٥٣٠، كشف المراد: ٣٩٦.
وانظر أيضا كشف الغمة: ١ / ٢٢٦ و ٢٦٨ و ٢٦٩ و ٢٤٥، الغدير: ٧ / ٢٠٨ - ٢١٢، تاريخ الطبري:
٢ / ١٨٧ و ٢٣٢ و ٣٤٤ و ٣٤٥، المعيار والموازنة: ٩١، تاريخ الخلفاء: ١٦٧، الطبقات الكبرى لابن سعد: ٢ / ٨ و ٩ و ٢٩ و ٣١ و ٤٩ و ٥٨ و ٧٤ و ١٠٦، شرح المقاصد للتفتازاني: ٢ / ٢٢٠، تاريخ الإسلام للذهبي: ٣ / ٤٠٨ و ٤٠٩ و ٤١٠، تلخيص المستدرك للذهبي: ٣ / ٣٢، نور الأبصار للشبلنجي: ٧٩، تاريخ بغداد: ١٣ / ١٩، معجم المؤلفين: ١٣ / ٥٢، الأعلام للزركلي: ٧ / ٣٣٣، الصراط المستقيم للبياضي:
٢ / ١، العمدةلابن البطريق: 226، مصنف ابن أبي شيبة: 12 / 64 ح 12131، دلائل النبوة للبيهقي:
6 / 435. وكلها تتلخص في قوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام): برز الإسلام كله إلى الشرك كله. (شرح النهج لابن أبي الحديد: 19 / 61) في غزوة الخندق وبروزه لعمرو بن ود العامري. ولذا قالت أخت عمرو في رثائها له:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله * بكيته أبدا ما دمت في الأبد لكن قاتله من لا نظير له * وكان يدعى أبوه بيضة البلد