الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٨٣
ومنهم من يقول: هم نساء النبي (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) (انظر تفسير الخازن:
٥ / ٢٥٩، تفسير الكشاف: ٣ / ٦٢٦، فتح القدير للشوكاني: ٤ / ٢٧٨ و ٢٨٠).
ومنهم من يقول: هم نساء النبي (صلى الله عليه وآله) خاصة، حتى أن عكرمة كان يقول: من شاء باهلته بأنها نزلت بأزواج الرسول (صلى الله عليه وآله).
ولسنا بصدد مناقشة هذه الأقوال، ولكن نذكر القارئ الكريم بأن عكرمة بن عبد الله يرى رأي نجدة الحروري وهو من أشد الخوارج بغضا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام). ويرى أيضا كفر جميع المسلمين من غير الخوارج. وهو القائل في موسم الحج: وددت أن بيدي حربة فأعترض بها من شهد الموسم يمينا وشمالا. وهو القائل أيضا عندما وقف على باب المسجد الحرام: ما فيه إلا كافر.
ومن مفاهيمه الاعتقادية: إنما أنزل الله متشابه القرآن ليضل به. وقد اشتهر بكذبه ووضعه للحديث ابن عباس وابن مسعود، ولذا وصفه يحيى بن سعيد الأنصاري بأنه كذاب. (انظر ترجمة عكرمة في ميزان الاعتدال للذهبي: والمعارف لابن قتيبة: ٤٥٥ الطبعة الأولى قم منشورات الشريف الرضى، طبقات ابن سعد). أفيصح بعد هذا أن نأخذ بحديث يرويه؟!
أما الراوي الثاني بعد عكرمة فهو مقاتل بن سليمان البلخي الأزدي الخراساني، كان مفسرا للقرآن الكريم على طريقته الخاصة، حتى قال فيه ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة. (انظر ميزان الاعتدلال للذهبي: ٤ / ١٧٣ الطبعة الأولى بيروت، تهذيب العمال في أسماء الرجال للحافظ الخزرجي الأنصاري). وكان من غلاة المجسمة يشبه الخالق بالمخلوقين، حتى قال أبو حنيفة: أفرط جهم في نفي التشبيه حتى قال: إنه تعالى ليس بشيء وافرط مقاتل في الاثبات حتى جعله مثل خلقه. (انظر المصدر السابق). وقال النسائي: والكذابون المعروفون بوضع الحديث: ابن أبي يحيى بالمدينة، والواقدي ببغداد، ومقاتل بن سليمان. (ميزان الاعتدال: ٣ / ٥٦٢ في ترجمة محمد بن سعيدالمصلوب). وكان مقاتل على مذهب المرجئة. (الفصل لابن حزم: ٤ / ٢٠٥)، ويأخذ عن اليهود والنصارى ويغرر بالمسلمين، حتى قال فيه الذهبي: كان مقاتل دجالا جسورا. (ميزان الاعتدال: ٣ / ٥٦٢).
عود على بدء: كيف يفسر عكرمة أو مقاتل بأن الآية نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه وآله) خاصة مع أن المراد من الرجس هو مطلق الذنب؟! وهذا يلزم إذهاب الرجس عنهن وبالتالي لا يصح أن يقال: (ينسآء النبي لستن كأحد من النسآء إن اتقيتن...) الأحزاب: ٣٢، ولما صح قوله تعالى: (ينسآء النبي من يأت منكن بفحشة مبينة يضعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا) الأحزاب: ٣٠.
وكيف يفسران ايذاء هن له (صلى الله عليه وآله) مع إذهاب الرجس عنهن؟! حيث ذكر البخاري: إن النبي (صلى الله عليه وآله) هجر عائشة وحفصة شهرا كاملا، وذلك بسبب إفشاء حفصة الحديث الذي أسره لها إلى عائشة، فقالت للنبي (صلى الله عليه وآله): إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا. (صحيح البخاري: ٣ / ٣٤). وفي رواية أنس: قال (صلى الله عليه وآله):
آليت منهن شهرا. (نفس المصدر السابق). وهاهو ابن عباس يقول: لم أزل حريصا على أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين من أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) اللتين قال الله تعالى فيهما: (إن تتوبآ إلى الله فقد صغت قلوبكما) التحريم: ٤. حتى حج وحججت معه... حتى قال ابن عباس: فقلت للخليفة: من المرأتان؟ فقال عمر بن الخطاب: واعجبا لك يا ابن العباس! هما عائشة وحفصة. (المصدر السابق:
٧ / ٢٨ - ٢٩، و: ٣ / ١٣٣). وهاهي عائشة وتعقبها للنبي (صلى الله عليه وآله) بعد ما فقدته في ليالي نوبتها، وقوله (صلى الله عليه وآله) لها: " مالك يا عائشة! أغرت؟ فقالت: ومالي أن لا يغار مثلي على مثلك؟! فقال لها (صلى الله عليه وآله): أفأخذك شيطانك؟! (مسند أحمد: ٦ / ١١٥، وانظر تفسير الطبري: ٢٨ / ١٠١، وطبقات ابن سعد: ٨ / ١٣٥ ط أوروبا، وصحيح البخاري: ٣ / ١٣٧، و: ٤ / ٢٢، وصحيح مسلم كتاب الطلاق ح ٣١ - ٣٤).
وكيف يفسران قوله تعالى: (إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والاخرة وأعد لهم عذابا مهينا) الأحزاب: ٥٧، وقوله تعالى: (والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم) التوبة: ٦١، وقوله تعالى: (عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزجا خيرا منكن مسلمت مؤمنت قنتت تلبت عبد ت...) التحريم: ٥، وقوله (صلى الله عليه وآله) لأم سلمة عند ما سألته: يا رسول الله ألست من أهل البيت؟ قال: أنت إلى خير إنك من أزواج النبي. وما قال: إنك من أهل البيت؟! (انظر كتاب شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني:
٢ / ١٢٤ تحقيق الشيخ المحمودي نقلا عن كتاب معجم الشيوخ: ٢ / الورق ٧ من المصورة، تفسير الطبري: ٢٢ / ٧).
أما المدلول الحقيقي لأهل البيت بعد تخصيص هذا التعميم وتقييد الإطلاق في الآية الكريمة من خلال القرينة التي ترافق الاستعمال، وكذلك من خلال الأحاديث النبوية المحددة للمراد من أهل البيت في آية التطهير وهي ما أجمعت عليه الأمة من خلال كتب الحديث المعتبرة أو كتب التفسير فإنه يظهر لنا أن هذه الآية نزلت في خمسة، وهم: محمد وعلي وفاطمة والحسن و الحسين (عليهم السلام). ومصادر تلك الأحاديث غير محصورة، ولكن نشير إلى ما هو متداول ومنشور منها:
١ - روت أم المؤمنينأم سلمة بشأن نزول هذه الآية: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت) قالت: إنها نزلت في بيتي، وفي البيت سبعة: جبريل وميكال وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم وانا على باب البيت، قلت: يا رسول الله، ألست من أهل البيت؟ قال: إنك إلى خير، إنك إلى خير! إنك من أزواج النبي. (انظر الدر المنثور للسيوطي: ٤ / ١٩٨، ومشكل الآثار: ١ / ٢٣٣، ورواية أخرى في سنن الترمذي: ١٣ / ٢٤٨، ومسند أحمد: ٦ / ٣٠٦، أسد الغابة: ٤ / ٢٩، وتهذيب التهذيب: ٢ / 297).
2 - وروى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب قال: لما نظر رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى الرحمة هابطة قال: أدعوا لي، أدعوا لي، فقالت صفيه بنت حيي بن أخطب زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله): من يا رسول الله؟ قال: أهل بيتي: