الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٨٠
وأصحابه (1)،

(١) الصحابة لغة: الصاحب. وجمعه: صحب، و أصحاب، وصحاب، و صحابة. والصاحب: المعاشر والملازم، أو المجالس أو المشايع. ولا يقال إلا لمن كثرت ملازمته، وإن المصاحبة تقتضي طول لبثه.
(انظر لسان العرب، ومفردات الراغب، وتاج اللغة للجوهري، وتاج العروس للزبيدي، والمعجم الوسيط، والقاموس المحيط للفيروز آبادي، ومختارات الصحاح للرازي).
أما في القرآن الكريم فقد جاء ذكر: أصحاب، وصاحبة، وصاحبهما، وأصحابهم، وصاحبته، وتصاحبني.
وكل واحدة من هذه الألفاظ وغيرها تدل على معنى، لأن الصحبة تكون بين اثنين أو طرفين. ولابد أن تضاف إلى اسم كما في قوله تعالى: (يصحبى السجن) و (أصحب موسى) وغير ذلك. (انظر سورة الكهف: ٣٧، لقمان: ١٥، النساء: ٣٦، التوبة: ٤٠، القمر: ٢٩، النجم: ٢، سبأ: ٤١، يوسف: ٣٩ و ٤١، الذاريات: ٥٩. وانظر التفاسير لهذه الآيات كتفسير ابن كثير: ١ / ٤٩٤، و ٢ / ٣٥٨ و ٣ / ٩٢ و ٤٤٤ و و ٤ / ٢٦٥).
اما تعريف الصحابي عند أهل السنة: فهو من لقي النبي (صلى الله عليه وآله) مؤمنا به، ومات على الإسلام. (الإصابة لابن حجر: ١ / ١٠). ولسنا هنا بصدد مناقشة التعريف.
ثم ذكر ابن حجر في ضابط يستفاد من معرفته صحبة جمع كثير، فقال: إنهم كانوا في الفتوح لا يؤمرون إلا الصحابة). (وإنه لم يبق بمكة ولا الطائف أحد في سنة عشر إلا أسلم وشهد مع النبي حجة الوداع. وإنه لم يبق في الأوس والخزرج أحد في آخر عهد النبي (صلى الله عليه وآله) إلا دخل في الإسلام. وما مات النبي (صلى الله عليه وآله) وأحد منهم يظهر الكفر. (الإصابة: ١ / ١٣ - ١٦).
وهذا التعريف هو المختار عند أكثر المحققين، إلا من شذ منهم ووضع شروطا أربعة: من طالت صحبته، أو حفظت روايته، أو ضبط أنه قد غزا معه، أو استشهد بين يديه. (انظر الاستيعاب لابن عبد البر، أسد الغابة، الإصابة، تقريب التهذيب).
ويرى أهل السنة أن الصحابة كلهم عدول، إذ ثبت أن الجميع من أهل الجنة، وأنه لا يدخل أحد منهم النار. (الإصابة: ١ / ٩ و ١٠).
أما مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) فترى أن لفظ " الصحابي " ليس مصطلحا شرعيا، وإنما شأنه شأن سائر مفردات اللغة العربية. والصحبة تشمل كل من صحب النبي (صلى الله عليه وآله) أو رآه أو سمع منه، فهي تشمل: المؤمن والمنافق، والعادل والفاسق، والبر والفاجر، ولذا يقول السيد مرتضى الرضوي: الشيعة يوالون أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) الذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة الدين، وجاهدوا بأنفسهم وأموالهم. (آراء علماء المسلمين للسيد مرتضى الرضوي: ٨٧). حيث قال تعالى: (الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجهدوا أمو لهم وأنفسهم في سبيل الله أوللك هم الصدقون) الحجرات: ١٥. وقال تعالى: (ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصدقين) التوبة: ١١٩.
لم يكن موقف الشيعة من هؤلاء غامضا ولا متزلزلا، ولذا قال أحد رواد التقريب: لا أقول إن الآخرين من الصحابة - وهم الأكثر الذين لم يتسموا بسمة الولاء لأهل البيت - قد خالفوا النبي ولم يأخذوا بإرشاده، كلا ومعاذ الله أن يظن فيهم ذلك! وهم خيرة من على وجه الأرض يومئذ، ولكن لعل تلك الكلمات لم يسمعها كلهم، ومن سمع بعضها لم يلتفت إلى المقصود منها، وصحابة النبي الكرام أسمى من أن تحلق إلى أوج مقامهم بغاث الأوهام (أصل الشيعة وأصولها للشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء: ٨٤).
ويضيف (رحمه الله) بعد أن يذكر مما وقع بحق أهل البيت: لا يذهبن عنك أنه ليس معنى هذا أنا نريد أن ننكر ما لأولئك الخلفاء من الحسنات، وبعض الخدمات للإسلام التي لا يجحدها إلا مكابر، ولسنا بحمد الله من المكابرين، ولا سبابين ولا شتامين، بل ممن يشكر الحسنة ويغضي عن السيئة، ونقول:
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت، وحسابهم على الله، فإن عفا فبفضله، وإن عاقب فبعدله. (المصدر السابق: ٩٤).
أما السيد الشهيد الصدر المرجع الشيعي الشهير والذي عاش مجاهدا وداعيا إلى الإصلاح ومخاطبا في بياناته التاريخية أبناء الأمة الإسلامية بقوله: " يا أبناء علي، ويا أبناء عمر... " والذي أعدمته الزمرة الحاكمة في بغداد عام ١٩٨٠ فقد قال: إن الصحابة بوصفهم الطليعة المؤمنة والمستنيرة كانوا أفضل وأصلح بذرة لنشوء أمة رسالية، حتى أن تاريخ الإنسان لم يشهد جيلا عقائديا أروع وأنبل وأطهر من الجيل الذي أنشأه الرسول القائد. (بحث حول الولاية: ١١ / ٤٨ - المجموعة الكاملة لمؤلفاته (قدس سره) التي جمعت في ١٥ مجلدا ومن أشهرها وأكثرها انتشارا " اقتصادنا " و " فلسفتنا " و " البنك اللاربوي "). إن الصحبة ليست بمجردها تلبس صاحبها لباس العدالة، والصحابة واقعا ليسوا بدرجة واحدة، وإنما تختلف منازلهم، وطبقات صدقهم، فمنهم الأقوياء، ومنهم الضعفاء، ومنهم المنافقون والرامون فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالإفك! ومنهم من حاول اغتياله (صلى الله عليه وآله)! وأخبر عنهم. وهم الذين قال فيهم القرآن الكريم مخاطبا لهم بعد أن ارتدوا وأشركوا وانقلبوا على أعقابهم: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإين مات أو قتل انقلبتم على أعقبكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزى الله الشكرين) آل عمران: ١٤٤. وهم الذين قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا رب، أصحابي أصحابي! فيقال له:
إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. (صحيح البخاري ٩: ٨٣، صحيح مسلم: ٤ / ١٧٩٦ حديث الحوض، مسند أحمد: ٣ / ١٤٠). وفي حديث آخر قال: فأقول: سحقا سحقا. (سنن ابن ماجة: ٢ / ١٤٣٩، مسند أحمد: ٦ / ٢٩٧، مصابيح السنة: ٣ / ٥٣٧) إلى غير ذلك من الأحاديث.
ومنهم من تشتاق إليه الجنة، وقد أثنى الله سبحانه وتعالى عليهم والرسول (صلى الله عليه وآله) في أحاديثه، وأنهم المقصودون في الثناء: (أشدآء على الكفار رحمآء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوا نا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التورلة ومثلهم في الانجيل كزرع أخرج شطئه فئازره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين ءامنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) الفتح: ٢٩.
هؤلاء قاموا بمعالم الرسالة، وبذلوا النصيحة، وهذبوا الطرق، وأذل الله بهم الكفر والشرك، وصارت بهم كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا السفلى. فصلوات الله عليهم وعلى أرواحهم الطاهرة بعد ما كانوا في الحياة أولياء، وبعد الممات أحياء.
والخلاصة: ان الشيعة يقولون بعدالة المتصف بالعدالة من الصحابة فقط، ولذا نراهم يرددون الأدعية الواردة عن الأئمة الأطهار بحق الصحابة كدعاء الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) حيث يقول: لقد رأيت أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) فما أرى أحدا يشبههم منكم، لقد كانوا يصبحون شعثا غبرا، وقد باتوا سجدا وقياما، يراوحون بين جباههم وخدودهم، ويقفون على مثل الجمر من ذكر معادهم، كأن بين أعينهم ركب المعزى من طول سجودهم، إذا ذكر الله هملت أعينهم حتى تبل جيوبهم، ومادوا كما يميد الشجر يوم الريح العاصف، خوفا من العقاب ورجاء للثواب. (نهج البلاغة تحقيق الدكتور صبحي الصالح: ١٤٣).
ويقول (عليه السلام): أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟ وأين ابن التيهان [أبو الهيثم مالك بن التيهان]؟ وأين ذو الشهادتين [خزيمة بن ثابت الأنصاري]؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم... الذين تلوا القرآن فأحكموه؟ وتدبروا الفرض فأقاموه، أحيوا السنة وأماتوا البدعة، ودعوا إلى الجهاد فأجابوا، ووثقوا بالقائد فاتبعوه. (المصدر السابق: ٢٦٤).
ومن أدعية الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) والتي يتعبد بها الشيعة: " اللهم وأتباع الرسل ومصدقوهم من أهل الأرض بالغيب عند معارضة المعاندين لهم بالتكذيب، والاستباق إلى المرسلين بحقائق الإيمان، في كل دهر وزمان أرسلت فيه رسولا..... اللهم وأصحاب محمد خاصة، الذين أحسنوا الصحبة، والذين أبلوا البلاء الحسن في نصره، وكاتفوه، وأسرعوا إلى وفادته، وسابقوا إلى دعوته... وفارقوا الأزواج والأولاد في إظهار كلمته. (الصحيفة السجادية: ٤٣).
وهاهو جواب ابن عباس (رضي الله عنه) لمعاوية بن أبي سفيان عندما سأله عن الصحابة، قال: يا معاوية إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه خص نبيه محمدا بصحابة آثروه على الأنفس والأموال، وبذلوا النفوس دونه في كل حال، وصفهم الله في كتابه العزيز (رحمآء بينهم تراهم ركعا سجدا...). (مروج الذهب للمسعودي: ٣ / ٦٥ و ٤٢٥).
إذن، فاتهام الشيعة بسب الصحابة وتكفيرهم جميعا هو اتهام باطل لا يمت إلى التشيع بسبب (انظر الشيعة في الميزان للعلامة محمد جواد مغنية: ١٥).
وكان معظم الشيعة يتورعون عن شتم أحد من الصحابة والتابعين (انظر هوية التشيع للدكتور الشيخ أحمد الوائلي: 38). وهاهو الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) يقول في خطبته: إني أكره لكم أن تكونوا سبابين. (نهج البلاغة تحقيق صبحي الصالح: 323)، عند ما سمع بعض جنده يسبون أهل الشام أيام حربهم في صفين.
(٨٠)
مفاتيح البحث: سب الصحابة (1)، صحابة (أصحاب) رسول الله (ص) (1)، الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين عليهما السلام (1)، مدرسة أهل البيت عليهم السلام (1)، الإمام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهما السلام (2)، الرسول الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله (8)، كتاب مسند أحمد بن حنبل (2)، حديث الحوض (2)، كتاب سنن إبن ماجة (1)، عبد الله بن عباس (1)، كتاب تفسير ابن كثير (1)، كتاب الفتوح لأحمد بن أعثم الكوفي (1)، معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله (1)، كتاب أسد الغابة لإبن الأثير (1)، كتاب أصل الشيعة وأصولها للشيخ كاشف الغطاء (1)، كتاب بحث حول الولاية للسيد محمد باقر الصدر (1)، كتاب مروج الذهب للمسعودي (1)، كتاب تقريب التهذيب لابن حجر (1)، مدينة مكة المكرمة (1)، كتاب الصحيفة السجادية (1)، كتاب صحيح البخاري (1)، الشيخ محمد جواد مغنية (1)، كتاب نهج البلاغة (2)، القرآن الكريم (3)، كتاب صحيح مسلم (1)، مالك بن التيهان (1)، ذو الشهادتين (1)، خزيمة بن ثابت (1)، مدينة بغداد (1)، سورة الكهف (1)، سبيل الله (1)، الشام (1)، الموت (2)، السجود (1)، اللبس (1)، القتل (1)، الشكر (1)، العزّة (1)، الشهادة (3)، النفاق (1)، الظنّ (1)، الإبداع، البدعة (1)، السب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 71 75 76 78 80 83 83 83 83 92 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 7
2 مقدمة التحقيق 9
3 ترجمة المؤلف 15
4 ممن اشتهر بابن الصباغ 16
5 مكانته العلمية 17
6 شيوخه 20
7 تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه 21
8 آثاره العلمية 21
9 شهرة الكتاب 24
10 مصادر الكتاب 25
11 رواة الأحاديث من الصحابة 38
12 مشاهير المحدثين 46
13 مخطوطات الكتاب 54
14 طبعاته 57
15 منهج العمل في الكتاب 58
16 شكر و تقدير 60
17 مقدمة المؤلف 71
18 ] من هم أهل البيت؟ [ 113
19 في المباهلة 113
20 تنبيه على ذكر شيء مما جاء في فضلهم وفضل محبتهم (عليهم السلام) 141
21 الفصل الأول: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه 163
22 فصل: في ذكر ام علي كرم الله وجهه 177
23 فصل: في تربية النبي (صلى الله عليه وسلم) له (عليه السلام) 181
24 فصل: في ذكر شيء من علومه (عليه السلام) 195
25 فصل: في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 207
26 فصل: في مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 219
27 فصل: في ذكر شيء من شجاعته (عليه السلام) 281
28 فائدة 533
29 فصل: في ذكر شيء من كلماته الرائعة 537
30 فصل: أيضا في ذكر شيء من كلماته 549
31 فصل: في ذكر شيء يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه (عليه السلام) 561
32 فصل: في ذكر مناقبه الحسنة (عليه السلام) 567
33 فصل: في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة (عليه السلام) 597
34 فصل: في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك مما يتصل به (عليه السلام) 605
35 فصل: في مقتله ومدة عمره وخلافته (عليه السلام) 609
36 فصل: في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام 641
37 فصل: في ذكر البتول 649