الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٥٠٥
حكما بحكم القرآن فليس لنا أن نخالفه، وإن أبيا فنحن من حكمهما براء (1).
(١) انظر تاريخ الطبري: ٤ / ٤٨ باختلاف يسير في اللفظ، وانظر المحاورة التي دارت بين الإمام علي (عليه السلام) وعبد الله بن الكواء في كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين لابن المطهر الحلي: ١٦٢ و ١٦٣ وقارن بينها وبين ما موجود في الطبري وغيره، مثل تذكرة الخواص: ٩٢، شرح النهج لابن أبي الحديد:
٢ / ٢٧٤، وشرح النهج للعلامة الخوئي: ٤ / ١٢٧. ونظرا لكثرة المصادر وكثرة الاختلاف في بعض الألفاظ ننقل مناظرة الإمام علي (عليه السلام) مع الخوارج وخاصة ابن الكواء جمعا بين المصادر ولكن بتصرف منا.
لما خرج علي (عليه السلام) بعد مناظرة ابن عباس لهم وقف (عليه السلام) بإزائهم وقال: من زعيمكم؟ قالوا: ابن الكواء.
فقال علي (عليه السلام): فما الذي أخرجكم علينا؟ قالوا: حكومتكم يوم صفين، فقال لهم: ناشدتكم بالله، أما قلت لكم يوم رفعوا المصاحف: لا تخالفوني فيهم؟ قلتم: نجيبهم إلى كتاب الله، فقلت: إنما رفعوها مكيدة وخديعة، فقلتم: إن لم تجب إلى كتاب الله قتلناك أو سلمناك إليهم، فلما أبيتم إلا الكتاب اشترطت على الحكمين أن يحكما بكتاب الله، فإن حكما بغير حكم الله والقرآن فنحن براء منهم. فقالوا: فكيف حكمت الرجال؟ فقال:
والله ما حكمت مخلوقا، وانما حكمت القرآن، لأن القرآن هو خط بين الدفتين لا ينطق، وإنما ينطق به الرجال. فقالوا: صدقت وكفرنا لما فعلنا ذلك، وقد تبنا منه إلى الله فتب كما تبنا نبايعك وإلا قتلناك...
وقال الشارح المعتزلي: قال لهم: ألا تعلمون أن هؤلاء القوم لما رفعوا المصاحف قلت لكم: إن هذه مكيدة ووهن وإنهم لو قصدوا إلى حكم المصاحف لأتوني وسألوني في التحكيم، أفتعلمون أن أحدا كان أكره للتحكيم مني؟ قالوا: صدقت، قال: فهل تعلمون أنكم استكرهتموني على ذلك حتى أجبتكم إليه فاشترطت أن حكمهما نافذ ما حكما بحكم الله فمتى خالفاه فأنا وأنتم من ذلك براء، وأنتم تعلمون أن حكم الله لا يعدوني؟ قالوا: اللهم نعم. فقالوا له: حكمت في دين الله برأينا وعنه مقرون بأنا كنا كفرنا، ولكنا الآن تائبون، فأقر بمثل ما أقررنا به وتب ننهض معك إلى الشام. فقال: أما تعلمون أن الله تعالى قد أمر بالتحكيم في شقاق بين الرجل وامرأته فقال سبحانه وتعالى (فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلهآ) وفي صيد أصيب أرنب يساوي نصف درهم فقال: (يحكم بهى ذوا عدل منكم)؟
فقالوا له: فإن عمرا لما أبى عليك أن تقول في كتابك " هذا ما كتبه عبد الله علي أمير المؤمنين " محوت اسمك من الخلافة وكتبت " علي بن أبي طالب " فقد خلعت نفسك. فقال: لي في رسول الله (صلى الله عليه وآله) أسوة حين أبى عليه سهيل بن عمرو أن يكتب: هذا كتاب محمد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسهيل بن عمرو، وقال له: لو أقررت بأنك رسول الله ما خالفتك، ولكن أقدمك لفضلك، فاكتب: محمد بن عبد الله، فقال لي: يا علي، امح رسول الله، فقلت: يا رسول الله: لا تشجعني نفسي على محو اسمك من النبوة. قال: فقضى عليه فمحاه بيده، ثم قال: اكتب محمد بن عبد الله، ثم تبسم إلي وقال: يا علي، أما إنك ستسام مثلها فتعطى. فرجع منهم ألفان من حروراء، وقد كانوا قد تجمعوا بها، فقال لهم علي (عليه السلام) ما نسميكم؟ ثم قال:
أنتم الحرورية لاجتماعكم بحروراء.
انظر المصادر السابقة وتذكرة الخواص: ٩٦، وشرح النهج لابن أبي الحديد: ٢ / ٢٧٤ و ٢٨٠ و ٢٨٢، وشرح النهج للعلامة الخوئي: ٤ / ١٢٧ و ١٢٨، المصنف لعبد الرزاق: ١٠ / ١٥٧ وجامع بيان العلم وفضله: ٢ / ١٠٣، والحاكم في المستدرك: ٢ / ١٥٠، ومناقب ابن المغازلي: ٤٠٦، والمسترشد في إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام): 390 والهامش رقم 1، والفتوح: 2 / 252.