الفصول المهمة في معرفة الأئمة - ابن الصباغ - ج ١ - الصفحة ٤٤٣
ثم إن عليا (عليه السلام) خرج بعسكره إلى النخيلة (1) واستنفر (2) الناس للمسير إلى معاوية وقتال أهل الشام، فبلغ ذلك معاوية فاستشار عمرو بن العاص (3) فقال له: أما إذا سار إليك علي بنفسه فأخرج إليه بنفسك ولا تغب عنه برأيك ومكيدتك (4). فخرج معاوية وخرج معه عمرو بن العاص فكتبا الكتايب، وعبيا الجيوش، وعقد معاوية لواء لعمرو بن العاص، ولواء لابنيه محمد وعبد الله ولواء لغلامه وردان، وفي ذلك يقول (5):

(١) انظر الفتوح لابن أعثم: ١ / ٥٧١، والإمامة والسياسة لابن قتيبة: ١٢٠ - ١٢٥، أعيان الشيعة:
١
/ ٤٧٥ - ٤٧٩، تاريخ الطبري: ٣ / ٥٦٣.
(٢) في (أ): واستقر.
(٣) أبو عبد الله أو أبو محمد عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم القرشي السهمي وأمه النابغة بنت حرملة، سبيت من بنى جيلان بن عتيك، وبيعت بعكاظ واشتراها الفاكه بن المغيرة، ثم انتقلت إلى عبد الله بن جدعان ومنه إلى العاص بن وائل، فولدت له عمرا. أرسلته قريش إلى النجاشي ليغير رأيه على جعفر بن أبي طالب ومن معه من المهاجرين إلى الحبشة ويسترجعهم إلى مكة فرده النجاشي. أسلم سنة ثمان وقبل الفتح بستة أشهر. وافتتح مصر لعمر، ووليها إلى السنة الرابعة من خلافة عثمان، فعزله عنها، فأخذ يؤلب عليه حتى قتل. ثم اشترك مع معاوية بصفين مطالبا بثأر عثمان وأشار برفع المصاحف للصلح فانخدع جيش علي وقبلوا الصلح وعينوا أبا موسى من قبلهم، وعين معاوية عمرا فغدر بأبي موسى وخلعا عليا ونصب عمرو معاوية وأخذ مصر طعمة من معاوية ووليها بعد قتل محمد بن أبي بكر حتى توفي سنة (٤٣ ه‍) أو بعدها ودفن هناك.
راجع ترجمته في جمهرة أنساب العرب لابن حزم: ١٥٤، وطبقات ابن سعد: ٧ / ق ٢ / ١٨٨، المعارف لابن قتيبة: ٢٨٥، أسد الغابة: ٤ / ٤٢٠، الكامل في التاريخ: ٢ / ٢٣٢، البداية والنهاية:
٤
/ ٢٧٥، شرح النهج لابن أبي الحديد: ١ / ٢٠ و ٨ / ٥٣، مقاتل الطالبيين: ٤٤، الإرشاد: ١ / ١٨ - ٢٢.
(٤) انظر تاريخ الطبري: ٣ / ٥٦٢ مع اختلاف يسير في اللفظ.
(٥) انظر تاريخ الطبري: ٣ / ٥٦٢ وقد ذكر ابن أعثم في الفتوح: ١ / ٥٢١ كتاب معاوية بن أبي سفيان إلى عمرو بن العاص، وعمرو يومئذ بفلسطين. وكذلك ذكر المحاورة التي جرت بين عمرو بن العاص وابنيه عبد الله ومحمد. وقول عبد الله: أما أنا فأقول: إن النبي (صلى الله عليه وآله) خرج من الدنيا وهو عنك راض وكذلك الخليفتان من بعده: أبو بكر وعمر، وأما عثمان فإنه قتل وأنت عنه غائب، وقد وسع الله عليك فاقعد في بيتك، فإنك لا تطمع أن تكون خليفة، وليس ينبغي لك أن تكون حاشية معاوية على دنيا قليلة زائلة عن أهلها، والسلام.
وقال ابنه محمد: أما أنا فأقول: إنك شيخ قريش وصاحب أمرها، وإن اضطراب هذا الأمر وأنت عنه غائب لصغر أمرك ويذهب قدرك، فالحق بجماعة من أهل الشام فكن يدا من أيديها، واطلب بدم عثمان بن عفان، فلست أقل من معاوية.
فأطرق عمرو ساعة ثم قال: أما أنت يا عبد الله، فأشرت علي بما هو خير لي في دنياي وديني، وأما أنت يا محمد، فأشرت علي بما هو خير لي في دنياي، وسأنظر في ذلك. فلما جن عليه الليل رفع صوته وجعل يقول شعرا:
تطاول ليلي للهموم الطوارق * وخوف التي تبدي وجوه العوائق إلى آخر الأبيات التي ذكرها اليعقوبي في تاريخه: ٢ / ١٨٥.
ثم أدنى عمرو غلاما يقال له وردان، فقال له: ارحل يا وردان، فعبى له الأثقال وترحل، فقال له عمرو: حط يا وردان، فحط، ثم قال: ارحل يا وردان، فرحل، فلم يزل عمرو يقول: ارحل وحط، فقال له وردان: أبا عبد الله، ما شأنك؟ أخولطت؟ فقال عمرو: لا، قال: فما قصتك؟ مرة تقول: ارحل يا وردان، ومرة تقول: حط يا وردان! فقال عمرو: لا أدري، قال وردان: لكني أدري، والله أنت رجل قد اعترضت الدنيا والآخرة على قلبك، فقلت: إن عليا معه آخرة بلا دنيا، وفي الآخرة عوض من الدنيا، ومعاوية معه دنيا بلا آخرة وليس في الدنيا عوض من الآخرة... فقال عمرو: لله أبوك يا وردان، ما أخطأت شيئا.... ولكن هات ما عندك من الرأي. فقال وردان: عندي والله من الرأي أن تجلس في بيتك.... فقال عمرو: يا وردان، الآن أقعد في بيتي، وقد سمعت العرب بتحريكي إلى معاوية، ارحل يا وردان، فرحل وردان وأنشأ عمرو يقول شعرا:
يا قاتل الله وردانا وأربته * أبدى لعمرك ما في الصدر وردان إلى آخر الأبيات كما أوردها اليعقوبي في تاريخه: ٢ / ١٨٥، وابن أعثم في الفتوح: ١ / ٥٢٢ هامش ١، وانظر هذه المساجلات في وقعة صفين: ٣٤ - ٣٥ - ٣٨ و ٤٠.
ونقل ابن أبي الحديد في شرحه على النهج: ١ / ١٣٧ تعليق أبي القاسم البلخي على قول عمرو لوردان " دعنا عنك " كناية عن الإلحاد بل تصريح به. أي دع هذا الكلام الذي لا أصل له فإن اعتقاد الآخرة وأنها لا تباع بعرض الدنيا من الخرافات. وقال (رحمه الله): وما زال عمرو بن العاص ملحدا ما تردد قط في الإلحاد والزندقة، وكان معاوية مثله. ويكفي من تلاعبهما بالإسلام حديث السرار المروي، وأن معاوية عض أذن عمرو. أين هذا من أخلاق علي (عليه السلام) وشدته في ذات الله، وهما مع ذلك يعيبانه بالدعابة.
ونقل ابن قتيبة في الإمامة والسياسة هذه المساجلات بين عمرو وابنيه وغلامه وكذلك مساومة عمرو بن العاص معاوية على مصر في: ١ / ١١٢ وما بعدها.
وقد علق أبو عثمان الجاحظ على المساومة بقوله: كانت مصر في نفس عمرو بن العاص لأنه هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر، فكان لعظمها في نفسه وجلالتها في صدره وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنيا لا يستعظم أن يجعلها ثمنا من دينه. نقل هذا الكلام ابن أبي الحديد في شرح النهج: ١ / ١٣٨، وانظر مروج الذهب: ٢ / ٣٩٠، الكامل: ٣ / 179، الطبري: 6 / 56.
(٤٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 436 437 438 439 440 443 445 446 447 448 449 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الناشر 7
2 مقدمة التحقيق 9
3 ترجمة المؤلف 15
4 ممن اشتهر بابن الصباغ 16
5 مكانته العلمية 17
6 شيوخه 20
7 تلاميذه الآخذون منه والراوون عنه 21
8 آثاره العلمية 21
9 شهرة الكتاب 24
10 مصادر الكتاب 25
11 رواة الأحاديث من الصحابة 38
12 مشاهير المحدثين 46
13 مخطوطات الكتاب 54
14 طبعاته 57
15 منهج العمل في الكتاب 58
16 شكر و تقدير 60
17 مقدمة المؤلف 71
18 ] من هم أهل البيت؟ [ 113
19 في المباهلة 113
20 تنبيه على ذكر شيء مما جاء في فضلهم وفضل محبتهم (عليهم السلام) 141
21 الفصل الأول: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه 163
22 فصل: في ذكر ام علي كرم الله وجهه 177
23 فصل: في تربية النبي (صلى الله عليه وسلم) له (عليه السلام) 181
24 فصل: في ذكر شيء من علومه (عليه السلام) 195
25 فصل: في محبة الله ورسوله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 207
26 فصل: في مؤاخاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) له (عليه السلام) 219
27 فصل: في ذكر شيء من شجاعته (عليه السلام) 281
28 فائدة 533
29 فصل: في ذكر شيء من كلماته الرائعة 537
30 فصل: أيضا في ذكر شيء من كلماته 549
31 فصل: في ذكر شيء يسير من بديع نظمه ومحاسن كلامه (عليه السلام) 561
32 فصل: في ذكر مناقبه الحسنة (عليه السلام) 567
33 فصل: في صفته الجميلة وأوصافه الجليلة (عليه السلام) 597
34 فصل: في ذكر كنيته ولقبه وغير ذلك مما يتصل به (عليه السلام) 605
35 فصل: في مقتله ومدة عمره وخلافته (عليه السلام) 609
36 فصل: في ذكر أولاده عليه وعليهم السلام 641
37 فصل: في ذكر البتول 649